وعلينا أن نشير هنا إلى لونين آخرين من ألوان الإعجاز أو البيان القرآني التي ترفد نظرية عبد القاهر، وهما: التصوير الفني، والجانب الصوتي والنغم القرآني- أو ما دعاه الرافعي ب «النظم الموسيقى».
أما التصوير الفني فإن أول من تحدث عنه الأستاذ سيد قطب- رحمه الله- في كتابه القيم الذي خصّه بهذا الموضوع «التصوير الفني في القرآن». وفي ذلك يقول الأستاذ الدكتور صبحي الصالح رحمه الله تعالى:
«وقد نحا سيد قطب في دراسته للقرآن منحى آخر، فلم تكن مفردات القرآن وحدها شاغلة له بموسيقاها، ولا تراكيب القرآن مستأثرة باهتمامه بتناسقها وترابطها،
وإنما كان نظره مركزا في الأداة المفضلة للتعبير في كتاب الله، ولقد وجدها في التصوير، وراح يتحدث عنها بأسلوب شعري يستهوي النفوس، ويهديها بحق إلى جمال القرآن».
قال سيد قطب: «التصوير هو الأداة المفضّلة في أسلوب القرآن، فهو يعبّر بالصورة الحسية المتخيّلة عن المعنى الذهني، والحالة النفسية، وعن الحادث المحسوس والمشهد المنظور، وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية.
ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها فيمنحها الحياة الشاخصة، أو الحركة المتجددة، فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة، وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد، وإذا النموذج الإنساني شاخص حي، وإذا الطبيعة مجسّمة مرئية.
فأما الحوادث والمشاهد، والقصص والمناظر، فيردها شاخصة حاضرة، فيها الحياة، وفيها الحركة. فإذا أضاف إليها الحوار فقد استوت لها كل عناصر التخييل؛ فما يكاد يبدأ العرض حتى يحيل المستمعين نظارة، وحتى ينقلهم نقلا إلى مسرح الحوادث الأول الذي وقعت فيه أو ستقع، حيث تتوالى المناظر،