يبنيها لبنة لبنة، وآية آية؛ في السلم والحرب، والعسر واليسر، والمنشط والمكره، وفي سائر الأوضاع والأحوال. إن معاني القرآن الكريم التي عاشت في نفوس الصحابة والجيل الأول- والتي لم يؤثر عنهم إلا دليلها اللغوي مدونا في كتب التفسير- تمثلها سيد- رحمه الله- وفهمها، والله أعلم، بحسه المرهف، وإيمانه العميق، وثقافته الواسعة، وتجربته الطويلة، وحركته الدائبة في حقل الدعوة والأمة، والمجتمع والناس ... أو على الأقل: استشعرها من خلال هذا كله، واستطاع أن ينقلها بلغته وعباراته على الورق والصحائف!
الظلال- إذن- دليل عمليّ مكتوب، إن صح مثل هذا التعبير، إلى المجتمع الإسلامي والأمة الإسلامية، وليس دليلا ثقافيا لعلوم القرآن أو علوم التفسير، أو علوم الثقافة الإسلامية من فقه وأصول وتاريخ جدل أو خلاف! ومن ظن أن هذا هو تعريف «التفسير»، أو أن تقديم ذلك الدليل الثقافي يجب أن يكون مهمة جميع المفسرين في جميع العصور، فليعد على معلوماته بالمراجعة والتحليل، وليعد إلى الغرض الأساس أو الأول من نزول القرآن الكريم بالنظر والتأمل! وليس من حقنا أن نقول في نقد هذا الموقف أكثر من ذلك.
[(أ) من أخطاء التعامل مع الظلال:]
والذي نقدره- بهذه المناسبة- أن عدم إدراك هذا الأمر أو هذا الأصل من أصول ظلال القرآن هو الذي أوقع بعض القرّاء في بعض الأخطاء والتصورات المناقضة أو البعيدة عن الصواب؛ فعند ما كان يتحدث سيد- رحمه الله- عن «مواصفات» المجتمع الإسلامي وشروطه؛ عقيدة وتشريعا؛ إيمانا وعملا وسلوكا ... إلخ كان يرسم بذلك- ومن خلال نصوص القرآن الكريم وواقع الأمة الإسلامية وسلوك السلف الصالح- صورة المجتمع الذي يجب علينا العمل والتحرك لقيامه وتحقيقه .. ولم يكن يرسم في الفراغ، كما لم يكن يقدم معلومات أو قضايا نظرية أو فلسفية، بحيث يمكن التحاكم فيها إلى مصطلحات أو مسلّمات