للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حتى كانت العربية اللسان المشترك لشعوب أمة واحدة، هجرت إليها ألسنتها القومية دون أن يجبرها أحد على ذلك، كما لم يكرهها مكره على أن تتخلى عن عقائدها وأديانها لتعتنق الإسلام، بل تركت لغة العرب تخوض معركتها مع لغات الشعوب الداخلة في الإسلام» (١).

[(ب) القوة الواقية:]

أما «القوة الواقية» أو دور حفظ اللغة العربية وتحصينها، الذي تم بفضل «وجود» القرآن الكريم فهو أخطر دور يمكن أن يؤديه كتاب للغة من اللغات، هذا إن وجد كتاب آخر- سماوي أو وضعي- أدّى قريبا من مثل هذا الدور أو عشره في لغة من لغات الأرض! وغني عن البيان أن مثل هذا الكتاب- أيا كان مصدره- ليس له وجود.

لقد وقف القرآن، وخصوصا في الزمن الذي انقسمت فيه الدولة العربية الإسلامية إلى مدن ودويلات، حائلا وسدا دون سريان اللهجات المحلية وانتشارها، ولولا هذا الكتاب الكريم الذي صانه الله تعالى عن التحريف والتبديل، وتكفّل بحفظه إلى يوم الدين، لما كان نصيب اللغة العربية من التجزؤ والانقسام بأقل منه في اللغة اللاتينية وما آلت إليه اليوم ... وبفضل هذا الكتاب الخالد بقيت الوحدة اللسانية- والفكرية- قائمة بين شعوب الأقطار العربية، وبفضله كذلك نقرأ اليوم أدب العربية من عصر الجاهلية إلى العصر الحديث ... في مدة ستة عشر قرنا من الزمان! (٢).


(١) لغتنا والحياة ..
(٢) هذا هو منشأ هذه الظاهرة الفريدة، بل لو قدر الله تعالى لرجل مات من ألف عام أن يسمع اليوم المتحدثين بالعربية لعرفها وما أنكرها. وربما علل بعضهم ما أشرنا إليه من عدم تعرّض العربية لخطر التفكك والانحلال بأن ذلك يعود إلى عناية علماء الإسلام بضبط لغتهم، وذلك من أجل المحافظة على القرآن الكريم. وهذا عندنا وارد بدون شك ولا-

<<  <   >  >>