ولا يحسن إنهاء هذا الحديث الموجز عن القوة الدافعة التي أصابتها اللغة العربية بفضل القرآن الكريم، قبل الإشارة إلى أنه لا يصح تفسير هذا المد الهائل الذي أصابته اللغة العربية بغير عوامل جلال القرآن ورسالته، وعامل حب هذه اللغة وتفضيلها على اللغات المحلية الخاصة السابقة لدخول أصحابها في الإسلام، ولهذا فإن من فساد الرأي ما ذهب إليه بعض المغرضين من أن اللغة العربية اعتمدت في انتشارها على السلطة الحاكمة، أو السلطة الغازية، لأن هذه المنطقة غزيت قبل الإسلام وأيّدت لغة الغازي بالسلطة السياسية، لكن الشعوب المغلوبة رفضتها متشبثة بتراثها ولغتها، وبقيت متشبثة بها حتى دخول الإسلام، ثم تم هذا التخلّي بعد ذلك في ظل القرآن، وغير بعيد في الوقت نفسه عن قوانين علم الاجتماع، تقول الأستاذة الدكتورة عائشة عبد الرحمن:
«ولم يكن موقف الشعوب من لغة القرآن أن فرّطت في ألسنتها فجأة، أو أكرهت على التخلي عنها بحد السيف، كما ذهب المؤرخ (فيليب حتى) في تاريخه الكبير، ولا صدرت قوانين ملزمة به من الدولة، وإنما مر الصراع اللغوي في مراحله الطبيعية التي تحكمها سنن الاجتماع، فبدأ بمرحلة عزلة تفاوتت بين قطر وآخر باختلاف طبيعة الإقليم قربا وبعدا، وميراثه الفكري والحضاري ومسلكه الصوتي واللغوي ... » ثم تقرر أن هذه «المرحلة اللغوية لم تطل، والقرآن الكريم هناك يفتح للعربية قلوب من أسلموا»(١).
وتقول في التعقيب على انتصار العربية على اللغات الأجنبية المفروضة على المنطقة- الرومانية واليونانية والفارسية والبيزنطية- ثم في مواجهتها للّغات الوطنية:
«وكان من المتصور أن تجمع هذه الشعوب بين العربية لغة دين، وبين لغاتها القومية التي صانتها طويلا ضد الغزو، لغة حياة، ولكن لم يمض جيل أو جيلان