ولهذا لم يشتغل جميعهم بكتابة تفسير القرآن، ولعلّ من اشتغل به منهم كان يرى أن جلاء تلك المفردات أو الكلمات، وبيان تلك الشروح والمناسبات كاف لرفع قارئ القرآن إلى مستوى إدراكهم هم، وتحسسهم للغرض الأساس العملي لكتاب الله الكريم.
على أننا حين نقرر هذا كقاعدة عامة نقيّم بها ما ورد عن الصحابة والتابعين في تفسير القرآن لا نعني فتحا لمجال الترخص بإهمال ما ورد عنهم، وإهمال آرائهم وأقوالهم- وهم أدرى الناس به لما شهدوه وعاصروه، ولما اختصوا به من المنازل والأحوال- وإنما نعني أن ما ورد عنهم من الأقوال لا يكفي وحده للوقوف على فهمهم العميق للقرآن، والذي لم يدوّنوه بأقلامهم- رضي الله عنهم-، أما الاستظهار بما ورد عنهم، والاستفادة من أقوالهم وتعليقاتهم فأمر لا يستغني عنه من أراد فهم القرآن وتفسيره من جديد!
ثانيا- المفسّرون والغرض الأساس للقرآن الكريم:
ومن المعلوم أن شيخ المفسرين والمؤرخين الإمام أبا جعفر محمد بن جرير الطبري (المتوفى سنة ٣١٠ هـ) قد ضمّ كتابه في التفسير «والموسوم بجامع البيان عن تأويل آي القرآن، والمشهور بتفسير الطبري» أو اشتمل على تفسير الصحابة والتابعين وغيرهم من عصور السلف الأولى، أو القرون المشهود لها بالخيرية والفضل. ولكن تفسير الطبري ينطوي كذلك على ما يسمى بالتفسير بالرأي؛ يظهر ذلك على أجلى ما يكون في اختيارات الطبري نفسه، وترجيحاته، وما يذهب إليه في تفسير الآية أو الآيات؛ لأن هذه الاختيارات والآراء تجاوزت الرواية المأثورة إلى ما هو أعم وأوسع؛ كل ذلك على ما تقتضيه اللغة والشريعة وأصول التفسير.
ولهذا يعتبر تفسير الطبري أول خطوة هامة أو أبرز خط في السلّم البياني الذي يمكن رسمه لتاريخ التفسير، لا يضارعه في ذلك سوى تفسير بقيّ بن مخلد الأندلسي (المتوفى سنة ٢٧٦) كما ذهب إلى ذلك ابن بشكوال، وقطع به ابن حزم