وغني عن البيان أنه ليس في مقدور أحد من الثقلين أن يكتب بهذه الطريقة، أو أن يجيء بمثل ما جاء به القرآن. وهذا هو السبب في أن القرآن الكريم فهم وفسّر خلال هذه العصور. أما انفراد العصر الحديث- عصر الكشوف العلمية- بهذا اللون من ألوان الفهم، أو ألوان الشرح والتفسير، فيعود إلى أن إدراك المدلول (العلمي) أو الحقيقي للإشارات القرآنية المتعلقة بالطبيعة والإنسان، يتوقف على التجربة والعمل الإنساني، التي هي من عمل العصور القادمة لعصر التنزيل- والقرآن كما نعلم لجميع العصور- أي يتوقف على تطبيق المنهج القرآني في التعامل مع هذه الإشارات والظواهر، أو على الامتثال للأمر القرآني بالنظر والملاحظة والتجربة، كما سنوضح ذلك في الفقرة التالية:
ثانيا- بين التفسير العلمي والمنهج العلمي:
ما نسمّيه اليوم تفسيرا علميا لا يعدو أن يكون نوعا من المطابقة بين الإشارات العلمية التي وردت في القرآن الكريم وكشوف الآخرين لبعض السنن والقوانين الكونية، أو لمدلول لتلك الإشارات فيما يذهب إليه الشراح والمفسّرون.
وتشير هذه الحالة- البائسة- إلى مدى قصورنا نحن المسلمين وعدم امتثالنا للمنهج العلمي الذي تضمّنه القرآن الكريم نفسه ودعا إليه، بوصفه الطريق الصحيح للاكتشاف، وبوصف هذا التقدم والاكتشاف من عمل الإنسان في جميع العصور.
وبوصف القرآن- قبل ذلك جميعه- كتاب هداية وتشريع، ودستورا جامعا للحياة الإنسانية المثلى إلى يوم الدين. وليس كتابا في الطب أو الفلك أو تاريخ الأحياء! ولا تمكن «علمية» القرآن و «عصريته» في عدد السنن والقوانين والحقائق العلمية التي أشار إليها أو «أسهم» فيها في «تاريخ تطور العلم» أو في تاريخ العلم، ولكن في «المنهج العلمي» الذي جاء به، والشروط النفسية والاجتماعية التي أشاعها، أي في المناخ العقلي والعلمي الذي أوجده .. والذي يسمح للإنسان أن يفكر ويلاحظ ويجرّب، دون أن يصدّه عن ذلك صادّ، أو يقف في وجهه معترض!