للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مخالفة القرآن الكريم لسجع الكهان، وكلاهما نثر، وفي القرآن الكريم عدد غير قليل من الآيات المسجوعة ... فليست من الوضوح لكل أحد كمخالفة الشعر ...

وقد لا تظهر لبعض الناس إلا بتدبّر القرآن والوقوف على أسباب بلاغته وفصاحته .. ومخالفة أسلوبه لكلام الكهان، فختمت الآية الثانية لذلك بقوله:

«قليلا ما تذكّرون»!.

[(أ) اختلاف الفواصل في آيات متماثلة:]

وأخيرا، فإننا تأكيدا لما ذكرناه في هذه الفقرة من أن «إحكام» المعنى الذي تؤدّيه الفاصلة القرآنية يجب البحث عنه في سياق الآية أو الآيات .. نختم الكلام هنا بشاهد قرآني اختلفت فيه الفواصل القرآنية في آيات متماثلة، وهو ما أسماه الزركشي: «اختلاف الفاصلتين في موضع، والمحدّث عنه واحد»: قال الله تعالى:

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤) [سورة إبراهيم، الآية ٣٤].

ثم قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨) [سورة النحل، الآية ١٨].

قال ابن المنيّر المالكي: «كأنه يقول: إذا حصلت النعم الكثيرة فأنت آخذها، وأنا معطيها؛ فحصل لك عند أخذها وصفان: كونك ظلوما، وكونك كفّارا. ولي عند إعطائها وصفان، وهما أنّي غفور رحيم؛ أقابل ظلمك بغفراني، وكفرك برحمتي، فلا أقابل تقصيرك إلا بالتوفير، ولا أجازي جفاءك إلا بالوفاء».

وهذا حسن، كما قال الزركشي، ولكن السؤال محل البحث: لماذا خصّت آية سورة النحل بوصف المنعم، وآية سورة إبراهيم بوصف المنعم عليه؟ قال الزركشي: «والجواب أن سياق الآية في سورة إبراهيم في وصف الإنسان وما جبل عليه؛ فناسب ذكر ذلك عقيب أوصافه. قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي

<<  <   >  >>