القراءة والكتابة، فضلا عن حفظها للقرآن الكريم عن ظهر قلب، فبقيت هذه الصحف عندها إلى أن طلبها منها الخليفة عثمان بن عفان، كما سنرى في الفقرة التالية:
ثالثا- نسخ المصاحف على عهد عثمان- رضي الله عنه-:
١ - كان الجمع الذي تم في عهد الصدّيق، إذن، جمعا عاما، أو جمعا «رسميا» قام به الخليفة، وشارك فيه جمهور الصحابة أو جماعة المسلمين: الحافظ بحفظه والكاتب بكتابته. إلا أن هذا الجمع لم يرد له أبو بكر- رضي الله عنه- أن يكون «قاضيا» على الصحف الخاصة التي جمع فيها بعض الصحابة القرآن لأنفسهم، كما فعل عبد الله بن مسعود وأبو موسى الأشعري والمقداد بن عمرو وأبيّ بن كعب وعلي بن أبي طالب- وكان غالب هذا الجمع يتمثل في تسجيلهم لما كانوا يسمعونه من النبيّ صلى الله عليه وسلم من القرآن- لأن همّ أبي بكر وعمر كان مصروفا لمبدأ الجمع الموثق الذي يتم على ملأ من الحفاظ وعامة المسلمين، والذي كان من أركانه بعض أصحاب هذه الصحف أو المصاحف؛ ولهذا فإن هذه الصحف لم تختلف عن المصحف السابق إلا في ترتيب السور من ناحية، وفي بعض القراءات التفسيرية والقراءات ذات الطابع اللهجي
من ناحية أخرى (١)، لأنهم إنما كانوا يدونون هذه الصحف لأنفسهم، وتأكيدا أو تطبيقا لمبدأ نزول القرآن على سبعة أحرف، كما سنشير إلى ذلك في بحث قادم.
وقد علّل صاحب كتاب المباني اختلافهم في ترتيب السور «بأن الواحد منهم إذا حفظ سورة أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو كتبها ثم خرج في سرية فنزل في وقت تغيّبه سورة، فإن كان إذا رجع فأخذ في حفظ ما ينزل بعد رجوعه وكتابته فيتتبع ما
(١) انظر دراسة مطولة لهذه المصاحف في كتاب «تاريخ القرآن» للدكتور عبد الصبور شاهين ص ١٢٥ - ١٨٩ وانظر كتاب «الفصل في الملل والأهواء والنحل» للإمام ابن حزم ٢/ ٧٦ - ٨٠.