للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المقام، لأن التواتر إنما يكمن حقيقة في موافقة هذا المكتوب في الصحف، بشهادة أي عدد كان، لما كان يحفظه الصحابة في صدورهم- بل إن الكتابة ليست شرطا في التواتر أصلا- حيث تلقوا عمل أبي بكر بالقبول، وتمت عليه موافقتهم ..

فكأن جمع المتفرق- «فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال» - كان سبيلا ليعارض بالمجتمع «ليشترك الجميع في علم ما جمع فلا يغيب عن جمع القرآن أحد عنده منه شيء، ولا يرتاب أحد فيما يودع المصحف، ولا يشكّوا في أنه جمع عن ملأ منهم» (١) كما قال الزركشي- رحمه الله-.

هذا الجمع العلني والإعلامي، في مجتمع فضل وعلم ودين، هو الذي قال فيه علي بن أبي طالب- رضي الله عنه-: «أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر، رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله» (٢).

٣ - وأخيرا، فإن من أبرز ما تضمنه حديث زيد السابق (٣) أن الصحف التي جمع فيها القرآن- بين لوحين أو أجزاء متفرقة- كانت عند أبي بكر الخليفة- رضي الله عنه-، ثم آلت إلى سيدنا عمر من بعده، ثم صارت إلى حفصة بنت عمر أمير المؤمنين، ولم توضع عند عثمان لأن عمر- رضي الله عنهما- ترك الخلافة شورى من بعده في ستة فلا يحسن دفع هذه الصحف إلى واحد منهم، ولعله لو فعل ذلك لفهم على أنه من أمارات الترجيح! يضاف إلى ذلك أن حفصة- رضوان الله عليها- هي زوجة النبيّ صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين، وكانت متمكنة من


(١) راجع البرهان للزركشي ١/ ٢٣٤ تحقيق الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم رحمه الله.
(٢) أخرجه ابن أبي داود في «المصاحف» بإسناد حسن.
(٣) من هذه الأمور: الثقة المطلقة بزيد من قبل أبي بكر وعمر رضي الله عنهم، هذه الثقة التي لم يؤكدها أنه كاتب للوحي، فحسب، حتى دل عليها بمكانه في الورع والتقى- لخشيته في الأمر- إلى جانب ما اتصف به رضي الله عنه من الحزم والعقل، والتحري والضبط جميعا.

<<  <   >  >>