للحديث عن «إعجاز القرآن» جانبان بارزان: الجانب التاريخي، والجانب الموضوعي. ونعني بالجانب التاريخي: تلك المقدمات والوقائع الدالة على وقوع التحدّي بالقرآن في التاريخ- وبخاصة في زمن النزول- ومعنى هذا التحدّي، ومعنى لزومه في أعناق العالمين إلى يوم الدين. كل ذلك من خلال الوقائع التاريخية الثابتة ذاتها. أما الجانب الثاني، وهو الجانب الموضوعي، فنريد به الوجه- أو الوجوه- التي صار بها القرآن معجزا حتى انفصل من جنس كلام العرب أجمعين، وحتى لزمهم هم وسائر العالمين ذلك العجز المشار إليه.
ونعرض في هذا الجانب لأهم النظريات التي قيلت في تفسير هذا الإعجاز.
والحديث عن الجانب التاريخي واسع ومتشعب، وبخاصة إذا لزمنا طريقة المتكلمين في التذكير بجملة أخرى من المقدمات التي تعلم ضرورة- أي تعلم من طريق العلم الضروري الذي لا يمكن أن يتطرق إليه الشك- مثل الكلام على ظهور محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في الجزيرة العربية، وما كان من أمر دعوته العالمين إلى الإيمان بنبوّته، وأنّ دينه خاتمة الرسالات، وما كان من شأنه مع قومه في الدعوة والسلم والحرب ... إلخ، ثم الانتقال التفصيلي بعد ذلك إلى وقائع التحدّي،