فإن عدم تمكن العقل من الوقوف على كنه عالم الغيب، أو حقيقة الذات الإلهية، لا يضعف من شأنه أو دوره في عالم الشهادة، ولكنه يضعه في موضعه قادرا على تيسير الحياة لا تصوير الوجود، كما يقول برجسون، ويطامن من كبريائه حين يعلم أن هذه الوسيلة- العقل نفسه- لم تدرك حقيقة ذاتها بعد. والله تعالى أعلم.
[(ب) معنى الوحي وصوره:]
أصل الوحي لغة: الإشارة السريعة، وقيل: إنه الإعلام الخفي السريع الخاص بمن يوحى إليه بحيث يخفى على غيره.
وقد روعي في إعلام الله تعالى لأنبيائه- بأي صورة من الصور- المعنيان الأصليان لهذه المادة اللغوية (وحي) وهما: الخفاء والسرعة! ولهذا قيل في تعريف الوحي شرعا: «عرفان يجده الشخص من نفسه، مع اليقين بأنه من قبل الله تعالى، بواسطة أو بغير واسطة، والأول بصوت يسمعه أو بدون صوت»(١).
وقد حددت الآية القرآنية التالية ثلاث صور للوحي، أو لهذا الإعلام الإلهي، قال تعالى: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١)[سورة الشورى، الآية ٥١].
وهذه الصور هي:
١ - إلقاء المعنى في قلب النبيّ، أو إلقاء الله تعالى ما يريد إعلامه أو وحيه مباشرة في قلب النبيّ الكريم، من غير واسطة الكلام أو توسط ملك الوحي. وهذه الصورة كما هو واضح هي أكثر صور الوحي- أو الإعلام- خفاء وسرعة! ولهذا أطلقت الآية اسم «الوحي» عليها، على الرغم من أن الصورتين التاليتين فيهما إعلام خفي وسريع، إلا أن الأولى منها يدخل فيها الكلام المسموع، وتتم الأخرى عن طريق ملك الوحي جبريل- عليه السلام-.