الربط الواضح بين الفكرة ومقتضياتها العملية، وبين العقيدة ولوازمها السلوكية هو ما لاحظه سيد- رحمه الله- في القرآن، وأكد عليه- من ثم- في التفسير ولذلك نجد- على سبيل المثال- أن وقوفه عند الآيات المكية كان أطول من وقوفه عند الآيات المدنية أو آيات الأحكام، وأنه قد كثرت عنده في آيات العقيدة: الإشراقات واللمحات، والنتائج والأحكام والتحليلات. كما نجده يعطي لكل سورة شخصيتها المتميزة، وملامحها الواضحة؛ في الوقت الذي شدّد فيه النكير على من ينتزع آية من القرآن الكريم ويسلخها عن السياق الذي ذكرت فيه، سواء أكانت من آيات العقائد أم من آيات الأحكام، وإن كانت الخطورة في آيات العقيدة أشد! لأن النصوص التشريعية قد لا يختلف معناها أو مدلولها من حيث هي قانون أو أحكام، وإن كان قطعها عن إطارها التربوي والأخلاقي مخلا أو غير محمود الأثر. أما نصوص العقائد فالاختلاف في معناها مع ذلك القطع والسلخ- وبخاصة وهي نصوص تفصيلية كثيرة، وليست كآيات الأحكام- أشد وأخطر! كمن احتج، مثلا، على مذهبه في مسألة «خلق الأفعال» - كما دعيت- بقوله تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ! علما بأن الآية الكريمة جاءت على لسان سيدنا إبراهيم في الاحتجاج على قومه حين وجدهم يعبدون الأصنام التي نحتوها بأيديهم: قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ (٩٥) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ (٩٦)[سورة الصافات، الآيتان ٩٥ - ٩٦]؟! ولم تأت في سياق الحديث عن التكليف وأفعال العباد- بغض النظر عن مذاهب المتكلمين في هذه المسألة- وإلا لكانت الآية حجة لعباد الأصنام لا حجة عليهم!!
[(د) طريقته في التأليف:]
وأخيرا فإننا نحب أن نؤكّد ملاحظاتنا العامة هذه حول الظلال، وبخاصة رفض سيد- رحمه الله- الدخول إلى النص القرآني بمقرر فكري مسبق- أيا كان أثر هذا المقرّر ضعيفا أو معوّقا عن الفهم المباشر عن القرآن، ولو بأقل درجات