قامت حول إعجاز القرآن دراسات كثيرة قديمة وحديثة، وذهب المفسرون وعلماء البلاغة في تفسير هذا الإعجاز مذاهب شتى. وإذا كان من البين عندنا أن الإعجاز الذي وقع به التحدّي- وهو المراد من الإعجاز عند الإطلاق بالطبع- كان وجهه بيانيا صرفا، على نحو ما هدتنا إليه الملاحظات السابقة. وعلى الرغم من تسليم الكثيرين بهذا الرأي إلّا أن بعضهم لا يمتنع من الحديث عن «الإعجاز الغيبي» - بمعنى ما أشار إليه القرآن من أمور على أنها ستقع في المستقبل، وكان كما أخبر- وعن «الإعجاز العلمي» أي ما أشار إليه القرآن من علوم ومعارف كونية، وعن «الإعجاز التشريعي» ... إلخ، موردا كلمة «الإعجاز» في غير إطارها التاريخي السابق، وهذا ما دعانا إلى التقييد المشار إليه، بوصفه لونا من ألوان الاحتياط، وبيان «المجال» الحقيقي للإعجاز، فقلنا: الإعجاز الذي وقع به التحدّي.
ونكتفي هنا بالكلام على أهم النظريات التي قيلت في تفسير هذا الإعجاز البياني أو الإعجاز الذي وقع به التحدّي، أو على أهم الخطوط البارزة في تلك النظريات. ونبدأ بالإشارة إلى فكرة أو شبهة ظاهرة الفساد خرجت من كل معايير التحدّي السابق، وهي نظرية الصرفة!