بمقرر فكري مسبق- في قضايا الفكر والاعتقاد، وربما في مسائل الفقه والتشريع في بعض الأحيان- وقع هو فيه في باب الحركة نحو إقامة مجتمع الإسلام ودولة الإسلام؛ حين اتسع في مفهوم الجاهلية، وحين شرح رأيه- في مواطن كثيرة- في كيفية مقاومتها وزحزحتها عن مواقع القيادة والتأثير. ويبدو أن منهجه الحركي في هذا كله، أو بوجه عام، والذي ترك ظلاله على فهمه للآيات، كان متأثرا بظروف المحنة التي تعرّض لها في طريق مجاهدته الطويلة والمريرة .. رحمه الله تعالى، وتقبّل منه، وأحسن جزاءه، وأعلى مقامه مع الشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
[(ج) الظلال والوحدة الموضوعية للسورة القرآنية:]
ولعل هذه المناسبة من أصلح المناسبات للإشارة إلى أن سيدا- رحمه الله تعالى ورضي الله عنه-، لم ينجح في القضاء على ذلك التجزي والدخول إلى النص القرآني بمقرر فكري مسبق، ومن ثمّ تقديم صورة الموضوع الواحد متكاملة متوازنة متناسقة لا تعارض فيها ولا إشكال .. أقول: لم ينجح في هذا فحسب، بل لعله كذلك أول مفسّر في تاريخ القرآن الكريم أبرز الوحدة الموضوعية في السورة القرآنية المفردة طالت أم قصرت! أبرزه بشكل عملي مكتوب، أو طبقه أفضل تطبيق عرفته المكتبة القرآنية حتى الآن. والذين سبقوا سيدا من المفسّرين، منهم من لم يلاحظها ولم يسلّم بوجودها، ومنهم من ذهب إلى القول بها، ولكنه لم يبلغ في إخراجها أو تطبيقها حدّ التوفيق، أو درجة الإقناع! ثم جاء سيد ليؤكد على هذه الوحدة المحورية في السورة الواحدة، وليضع أيدينا بعد ذلك برفق وسهولة ولين على وجه الانتقال من موضوع إلى موضوع. ولعل سر نجاح سيد- رحمه الله- في ذلك يعود إلى ملاحظته أن بناء الإنسان في القرآن الكريم يقوم على قاعدة الفكر والاعتقاد، أو يعتمد على العقيدة وينطلق منها، وأن سلوكه وتصرفاته العملية هي الثمرة الطبيعية لإحكام هذا الجانب أو الأساس الفكري والعقدي. هذا