سبيل مراعاة سائر الفواصل السابقة واللاحقة في النص القرآني، ليتم له بذلك موسيقاه الخاصة ... لا في سبيل ذلك فحسب، ولكن في سبيل إحكام المعنى كذلك، أو بعبارة أخرى: يأتي القرآن الكريم بغير تلك الفاصلة إيثارا لما هو ألصق بالمعنى، وأشد وفاء بالمراد، قال الله تعالى: وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧)[سورة البقرة، الآية ٦٧].
فقد يقع في النفس أن تأتي الفاصلة يستعيذ فيها موسى- عليه السلام- من أن يكون من المستهزئين .. ولكن عدل إلى مادة «الجهل» إشارة إلى أن الاستهزاء بالناس جهل وسفه لا يليق أن يصدر من صاحب خلق ودين، بالإضافة إلى أن الفواصل السابقة هي:«الخاسرين، خاسئين، للمتقين ... ».
أما التوشيح فهو أن يكون «معنى» الآية مشيرا إلى هذه الفاصلة؛ كقوله تعالى:* إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٣)[سورة آل عمران، الآية ٣٣].
«فإن معنى اصطفاء المذكورين يعلم منه الفاصلة؛ إذ المذكورون نوع من جنس العالمين»(١).
ومثّلوا له كذلك بقوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (٣٧)[سورة يس، الآية ٣٧].
ثالثا- لمحة عن أنواع الفاصلة:
تبيّن لك من خلال الشواهد التي عرضنا لها في هذا الفصل مدى إسهامها في النظم الموسيقى في القرآن. وقد يشتد هذا التقارب الموسيقى في الفواصل، حتى تتحد الفاصلتان- أو الفواصل- في الوزن والقافية، كما في قوله تعالى: