وعلوم الطب، وعلم الفلك، وعلم النبات، وعلوم الجغرافية، وعلوم البحار، وعلم الإنسان، وعلم الأخلاق ... في الكتب والمؤلفات، وفي الندوات والمؤتمرات، ليعلم معنى رحابة الموضوعات القرآنية، ومعنى معارف القرآن التي سبقت العصور ... وكيف أن محمد بن عبد الله- الصادق المصدوق- صلوات الله وسلامه عليه-، إنما كان واسطة لعلم غيبي مطلق! وأن الذّكر الذي قرأه على العالمين، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين.
الجانب الثاني- أحوال النبيّ مع هذه الظاهرة:
أما الجانب الثاني الذي نؤكد من خلاله على صدق ظاهرة الوحي- وأنه لم يكن ظاهرة مرضية أو من حديث النفس أو إشراق الذات!! - فهو أحوال النبيّ مع هذه الظاهرة:
(أ) فكم مرة أبطأ عنه الوحي هو في انتظار له ليفتي في أمر أو يجيب في مسألة، حتى أرجف المشركون بهذا الإبطاء والانقطاع، وحتى قال قائلهم: لقد قلى محمدا ربه! فنزل قول الله تبارك وتعالى: وَالضُّحى (١) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى (٢) ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى (٣) وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى (٤) الآيات.
(ب) وكم مرة نزل عليه الوحي، وهو بحسب أحوال الإنسان العادية- ودع عنك فروض علماء النفس أو الصحة النفسية! - على غير استعداد .. حتى عدّ العلماء من علوم القرآن، أو من أنواع القرآن- بحسب حالات نزوله على النبيّ صلى الله عليه وسلم:«الحضري، والسفري، والنهاري، والليلي، والصيفي، والشتائي، والفراشي، والنومي ... » إلى آخر هذه الأنواع.
أقول: ومتى كان يكتب- أو يملي من ذاكرته! - المريض والنائم ...
أو العائد من قتال الأعداء وقد أثخنته الجراح أو بلغ به التعب كل مبلغ؟ ثم كيف يتأتى له أن يأتي في جميع هذه الأحوال بنسق واحد من الكلام هو النسق المعجز المعهود في سائر أحواله بدون استثناء!