تعالى في مطلع سورة الروم: الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ. وقال تعالى: سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (٤٥)[سورة القمر، الآية ٤٥].
(ج) أما تخطي القرآن ذلك القانون في الحديث عن الحاضر- أو وقت النزول- فالآيات والمواقف فيه كثيرة أيضا، وبحسبنا هنا أن نسأل: من الذي يملك أن يقول في أبي لهب: سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) فيحكم عليه- في موقف مشهور من مواقف السيرة النبوية- أنه سيبقى على كفره ولن يدخل في الإسلام؟! وقد دخل فيه فيما بعد من كان في مثل عداوته لهذا الدين وحربه عليه! وقد كان في وسع أبي لهب، ولو بحيلة كاذبة أو نفاق مستور، أن يقول إنه آمن أو دخل في الإسلام، فيدل الناس بذلك- لو كان أمر القرآن للنبي صلى الله عليه وسلم، أو أن الوحي لم يكن ظاهرة صحيحة وصادقة- على تقوّل النبيّ على عالم الغيب وعلى خطئه- وحاشاه من ذلك كله! - حين حكم على أبي لهب بالبقاء على الكفر، وبورود النار يوم القيامة! أم إنه الله العليم الخبير الذي أنزل الفرقان، ويعلم ما في النفوس والعقول، والذي بيده مفاتيح الهداية والإيمان، هو الذي أخبر عن أبي لهب، وكان الأمر كما أخبر سبحانه ... طيلة عصر التنزيل. أو مدة حياة أبي لهب؟!
وقل مثل ذلك في قوله تعالى في شأن الوليد بن المغيرة: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ...
[سورة المدثر] وغير ذلك من هذه المواقف الكثيرة في كتاب الله العزيز.
وغني عن البيان: أن نشير بعد ذلك إلى رحابة الموضوعات القرآنية، التي بلغت حد الدلالة اليقينية القاطعة أن القرآن وحي يوحى، في الأبواب التي أكدتها العلوم التجريبية والمعارف الإنسانية في هذا العصر، حتى دعاها بعضهم إعجازا، أو أدخلها في حد إعجاز القرآن ... فصار الحديث عن الإعجاز العلمي، والإعجاز التشريعي ... إلى جانب الإعجاز الغيبي، والإعجاز البياني ... وفي وسع أي دارس اليوم أن يعود إلى ما كتبه في ذلك كله المختصون في علم الأجنّة،