لقد كانت الآيات إجمالا قصيرة في جميع أجزاء السورة، متناسبة في قصرها مع سرعة الانتقال في تصوير الحركات، أو مع إيجاز الأفكار في التحليل النفسي، ومقتصرة على العناصر الأساسية للجملة، خالية من الزوائد خلوّ الأفكار والمشاهد من التفصيلات، متناسبة في تنوعها وانتقالاتها مع تنوع الموضوع، من فعلية غير مؤكدة، إلى اسمية مؤكدة، إلى استفهامية.
سادسا- الموسيقى في السورة:
يشعر المرتل لهذه الآيات أن لها طابعا موسيقيا واضحا، وإذا قرأها قراءة فنية- وذلك هو الترتيل- لاحظ انقسامها إلى عدة نغمات متناسبة مع أقسام النص من الوجهة الفكرية والنحوية.
فالقسم الأول يتألف من خمس فقرات موسيقية ذات نغمة واحدة تقلّ فيها المدود، وكلّ فقرة منها تتألف من كلمتين: أولاهما تحتوي على بعض المدود الطويلة. وثانيتهما وهي فاصلة الآية؛ كلمة ثلاثية لا مدّ إلا في آخرها (ضبحا، قدحا، صبحا، نقعا، جمعا) وهذه الفقرات تمثل بقلة مدودها وتوالي حروفها المتحركة حركة الخيل في عدوها ووقع حوافرها ثم ارتفاعها.
أما القسم الثاني من السورة فهو أطول نفسا وأكثر مدودا، وكأنه يشير بمدوده الطويلة إلى التأمل الطويل والهدوء النفسي. وتختلف كلمة الفاصلة في هذا القسم اختلافا
كبيرا في جرسها الموسيقى عن فاصلة القسم الأول (كنود، شهيد، شديد).
والقسم الثالث يجمع بين المدود الطويلة في بعض أجزائه أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ ... وتوالي الحركات في كلمات أخر (بعثر)، كما أن فاصلته تختلف عن القسمين السابقين في نبرتها وقوة جرسها (قبور، صدور).
ويعود القسم الأخير في نغمة هادئة ناشئة عن المدود والميم الساكنة والتنوين إلى فاصلة تأخذ الياء من القسم الثاني والراء من الثالث.