للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أبا بكر قال لعمر وزيد: «اقعدا على باب المسجد فمن جاء كما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه» وقد فسّر بعض العلماء هذين الشاهدين: بالحفظ والكتابة.

ومعنى ذلك: الاكتفاء بشاهد واحد على الكتابة، ومثله على الحفظ! ولو صح هذا التفسير المخالف لما ذهب إليه جمهور العلماء- سواء صح الحديث السابق أم لم يصح- لما كان هنا لك من داع ليخص زيد بن ثابت- في رواية البخاري السابقة- آخر سورة «براءة» بالذكر! إن كان لا يتطلب على «الكتابة» أكثر من شاهد واحد! ومن نافلة القول أن نشير إلى أن قوله: «لم أجدها مع أحد غيره» لا يجوز تفسيره بأنه لم يجدها «محفوظة»!! لأنه كان- رضي الله عنه- يبحث عن آية «يحفظها» هو! قال الزركشي: «وقول زيد: لم أجدها إلا مع أبي خزيمة، ليس فيه إثبات القرآن بخبر الواحد، لأن زيدا كان سمعها وعلم موضعها في سورة التوبة بتعليم النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكذلك غيره من الصحابة ... » قال: «وتتبعه للرجال كان للاستظهار لا لاستحداث العلم». وقال الحافظ ابن حجر- رحمه الله-: «ولا يلزم من عدم وجدانه إياها حينئذ أن لا تكون تواترت عند من لم يتلقها عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، وإنما كان زيد يطلب التثبت عمن تلقاها بغير واسطة» (١).

بل إن من الواضح أن طلب مثل هؤلاء الشهود لا يراد به أكثر من مجرد الاستظهار والاستيثاق وتسهيل عمل زيد بن ثابت ... لأن الأصل هو في الحفظ المتواتر من قبل جمهور الصحابة- رضوان الله عليهم- ... وهذا معنى تخوّف الفاروق الذي لم يفهمه «جيفري» مرة أخرى! ولهذا فإن التواتر هنا في نقل القرآن الكريم لا يمكن في الشاهدين أو في الأربعة شهود، حتى نقول مع بعض العلماء:

إن الاستظهار المتواتر لآخر سورة براءة من قبل الصحابة قام مقام الشاهد الآخر على أنه كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم (٢) ... لأن هذا عكس ما يجب قوله في هذا


(١) فتح الباري ٩/ ١٢.
(٢) انظر كتاب «علوم القرآن» للأستاذ الدكتور صبحي الصالح رحمه الله.

<<  <   >  >>