أبوابه، حتى دعوه بالإعجاز العلمي، بل يمكن القول: إن التفسير العلمي والإعجاز العلمي، صارا قرينين أو شيئا واحدا في عرف كثير من الدارسين والباحثين.
والواقع أن المسلمين وجدوا في هذا اللون من ألوان التفسير، أو في هذا الوجه من وجوه الإعجاز- كما دعوه- ميدانا ملائما للدعوة إلى الإسلام، وإقامة الدليل على أن القرآن وحى يوحى، وأنه تنزيل من حكيم حميد، في الوقت الذي ضعفت سليقة العرب اللغوية، وأضحوا غير قادرين على «تذوق» الإعجاز البياني للقرآن الكريم ... وفي
الوقت الذي عدّ فيه هذا «الإعجاز الجديد» قادرا على مخاطبة العرب وغير العرب، كما يقوى على إدراكه المسلمون وغير المسلمين، بل إن غير المسلمين من الأوروبيين المكتشفين للسنن، أو أصحاب التقدم العلمي المشار إليه، يأتون في مقدمة من يعقل عن القرآن هذا الإعجاز، أو بعبارة أدق:
هذا السبق العلمي الباهر الذي جاء به القرآن الكريم قبل مئات السنين.
ونحن هنا نؤرخ لظهور هذا اللون من ألوان التفسير، ونتحدث عن أسباب نشأته في هذا العصر، أو على هذا النحو. ولا ندقق في صحة هذا السبب الأخير، أو في صواب هذه التسمية:«الإعجاز العلمي» والذي يمكننا أن نقوله- باختصار شديد- إن الإعجاز الحقيقي في هذا الجانب، وأعني جانب الحقائق العلمية عن الكون والإنسان التي أشار إليها الكتاب العزيز، يمكن في طريقة القرآن في التعبير عن هذه الحقائق، لا فيما سمّيناه تفسيرا علميا قد نخطئ فيه أو نصيب! لقد عبر القرآن الكريم عن هذه الحقائق على نحو يفهم خلال العصور! بمعنى أن أسلوب القرآن ونظمه وبيانه- الذي جعلناه مناط الإعجاز فيما سبق- اتّسع للتعبير عن هذه الحقائق العلمية على نحو لا يعجز عن خطاب الإنسان في أي عصر، ولا يحمّله كذلك أكثر مما يطيق. كما قلنا في ختام الفصل السابق. هذا هو وجه الإعجاز عندنا في هذه المسألة.