- رحمه الله- وسواء أكان هذا أم ذاك، فهما يمثلان هذه المرحلة على كل حال.
ثم تلت بعد ذلك معالم بارزة وخطوط عريضة لعلها تتمثل في تفسير الزمخشري (المتوفى سنة ٥٢٨) وابن عطية (ت ٥٤١) والرازي (ت ٦٠٦) ثم في تفسير القرطبي (ت ٦٧١) وأخيرا في تفسير الحافظ ابن كثير الدمشقي (ت ٧٧٤)(١) الذي يمثل علامة بارزة في ذلك الخط البياني حتى العصر الحديث. ولسنا هنا في معرض تقييم هذه التفاسير، أو سواها، وبيان مزاياها وأهميتها، ولكننا في معرض بيان القيمة الأساسية أو العامة لهذه التفاسير، وما الدور الذي قامت به في رسم الصورة الصحيحة أو الكاملة للغرض الأساس الذي نزل القرآن الكريم من أجله، والذي يتمثل- كما أشرنا- في إقامة الشخصية الإسلامية، وإنشاء جيل على قواعد هذه التربية الربانية تجعله صورة ناطقة عن الحق الذي نزل به القرآن، وبناء أمة لها خصائصها ومزاياها التي تجعل منها خير أمّة أخرجت للناس.
ولكن علينا، قبل أن نبحث في تحقيق هذه التفاسير لذلك الغرض، أن نتذكر البيئة التي كان يعيش فيها هؤلاء المفسرون الأعلام، والجو الذي كانوا يتنسمونه وينطلقون منه؛ لأن الجزء الذي أغفلوه من ذلك الغرض كان متحققا من حولهم في مجتمع إسلامي، وشريعة حاكمة، وسلطان إن لم يأخذ نفسه بأحكام الإسلام؛ فإنه لا يستطيع الخروج عليها، فضلا عن استحالة إقدامه على محاربتها، أو تنشئة
(١) مع ملاحظة تجاوزنا لمجموعة من التفاسير المخطوطة، أو من موسوعات التفسير التي حفل بها القرنان الرابع والخامس- والتي عرّفنا بها في كتابنا: الحكم الجشمي- والتي يأتي في طليعتها: تفسير الخازن لأبي الحسن الأشعري، وتأويلات أهل السنّة لأبي منصور الماتريدي. انظر: الحاكم الجشمي ومنهجه في تفسير القرآن، للمؤلف ص ٥١ - ٥٧ مؤسسة الرسالة بيروت ١٩٧١ وانظر مقدمتنا لكتاب متشابه القرآن للقاضي عبد الجبار طبع دار التراث بالقاهرة ١٩٦٩.