الأطفال على خلافها .. ولهذا كان همّ المفسرين القدامى مصروفا إلى «تثقيف» المسلم، وتقديم القدر الذي يتمكن منه أحدهم، من العلوم والمعارف اللغوية والتاريخية، ونحوها لقارئ التفسير، وبخاصة الأحكام الشرعية التي يخاطب بها المكلف، ومن هنا طال وقوفهم وتشعب أمام آيات الأحكام أكثر من سواها، حتى صارت عماد بعض التفاسير كما هو معلوم. الشخصية المسلمة موجودة، والمجتمع الإسلامي قائم، والقرآن الكريم هو الذي أوجد من الأصل هذا المجتمع وتلك الشخصية .. ثم بقي- وسيبقى- زاد هذا المجتمع ومحوره ودليله.
والمفسّرون خلال التاريخ الإسلامي كانوا يقدمون هذا الزاد، ويدورون حول هذا المحور؛ بحيث يمكن القول: إن من أراد أن يؤرخ للحياة العقلية أو الاجتماعية عند المسلمين فعليه أن يفعل ذلك من خلال تفاسيرهم للقرآن الكريم في الاعتبار الأول. والسؤال الآن: هل نجح المفسّرون خلال العصور في تقديم هذا الزاد الكافي أو اللازم للمجتمع الإسلامي، والشخصية الإسلامية؛ ترميما تارة، وإعادة صياغة مرة، وإحياء ونفخا للروح مرة أخرى!؟
في الإجابة عن هذا السؤال أمامنا هنا ملاحظتان نوردهما بعكس ترتيبهما الزماني:
الملاحظة الأولى: أن المفسرين على وجه الإجمال بقوا على طريقتهم السابقة في التعامل مع النص القرآني، تثقيفا للمسلم، وإغناء له بأنواع العلوم والمعارف، حتى إن وقوفهم الطويل أمام آيات الأحكام الذي كان له ما يبرره لم يشفع، والمجتمع الإسلامي آخذ في التدهور، وصورة المسلم الفاعل المؤثر آخذة في التشتت والانفعال، لم يشفع بالاتجاه إلى السياق التربوي والأخلاقي والأساس العقائدي الذي وردت فيه تلك الآيات، والذي يشكل «الخلفية» أو القاعدة والمناخ الملائم لدى الفرد المسلم حتى يتقبل هذه الأحكام، أقول: لم يتجهوا إلى هذا السياق ليسلّطوا عليه الأضواء، وليكون موضع المدارسة والبحث والوقوف