تضاد، كما لاحظ ابن تيمية- رحمه الله- (١) ولهذا أيضا كانت كتب تفسير القرآن في مرحلة نشأتها كتبا شارحة للغريب، لأن من الراجح أن سبيل التفسير في ذلك العصر القريب من عصر التنزيل كان يستوي بمثل هذا الشرح. ومن هنا كانت هذه الأسماء:«غريب القرآن» و «معاني القرآن» و «مجاز القرآن» أو استعملت في عرف المتقدّمين مترادفة أو كالمترادفة.
أما فيما وراء ذلك، فالقرآن الكريم النابض بالحياة، المبدّل للنفوس والعقول، والذي أوجد ذلك الجيل، وأوجد هذه الأمة- وفي العصور الأولى على وجه الخصوص- هذا القرآن لا يمكن تحصيل معانيه من خلال تراث الصحابة- رضوان الله عليهم- في تفسير القرآن، وإنما ينبغي تحصيله- لمن قدر على ذلك- من خلال ذلك التمثل الكامل للقرآن، والذي تجلى في حياة الصحابة وسلوكهم وفهمهم عن الله سبحانه، ومن خلال روحهم العظيمة تلك التي سرت في العالم فأحيت موات النفوس، ونشرت دوارس العقول، ووصلت الخلق بالخالق بحبله المتين، ونوره المبين ... هذا القرآن الكريم.
بل ينبغي تحصيل هذا التفسير، قبل ذلك، من خلال السيرة النبوية الشريفة وخلق النبيّ الكريم- صلوات الله عليه وسلامه- .. هذا الخلق الذي كان الصورة العملية الكاملة للقرآن الكريم، كما قالت السيدة عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها-، وقد سئلت عن خلقه- عليه الصلاة والسلام- فأجابت بتلك الكلمة العبقرية الفذّة:«كان خلقه القرآن!» ولهذا صح لعلمائنا السابقين- رحمة الله عليهم أجمعين- ما قالوه في تعريف التفسير بالمأثور من أنه «ما أثر عن النبيّ صلى الله عليه وسلم والصحابة- والتابعين- تفسيرا للقرآن الكريم» ولكن ما أثر عنهم- كما رأيت- لا ينبغي أن يكون مقصورا على الأقوال، بل يجب أن يتعداه أو يسبقه، إلى السلوك والأعمال.
(١) انظر مقدمته في أصول التفسير، نشر دار القرآن الكريم ص ٣٨.