ولهذا نجد أن الصحابة- وكثيرا من التابعين من بعدهم- لم يعنوا بتدوين التفاسير المطولة للقرآن الكريم، يثقلونها بتفصيل القول في علوم القرآن، أو علوم التفسير الواسعة، ومدلولات الآيات البعيدة، أو إشاراتها العميقة ... ولم يكن ذلك لنقص في علمهم بكتاب الله، كما ظن بعضهم، بل لمزيد من هذا العلم من حيث الفهم الصحيح والمتكامل لكتاب الله؛ نظرا لمعرفتهم باللغة، ومعاصرتهم للتنزيل، وفهمهم لجميع نصوصه في سياقها وسباقها الصحيح، ومناسبتها الواضحة- بناء على ذلك التدرج- ولاستلهامهم لتلك الروح القرآنية العالية، وعملهم بموجبها يوما بعد يوم .. يخلون أمامها الطريق وهي تهدم كل رواسب الجاهلية، وأفكارها، وتصوراتها، وقيمها، وموازينها ... حتى علا ذلك البنيان الشامخ الفريد.
ولهذا فإن ما خلّفه لنا الصحابة والتابعون في تفسير القرآن الكريم لا يصوّر لنا الغرض الأساس الذي نزل القرآن من أجله، والذي وعاه الصحابة- رضوان الله عليهم- وطبقوه، وعاشوه واقعا وعملا. وإذا رجعنا إلى ما أثر من تفسيرهم للقرآن الكريم لوجدنا أنه نوع من التفسيرات اللغوية، أو شرح لبعض الجمل والتراكيب، بالإضافة إلى بيان المناسبات ونحوها مما يتصل بالأماكن والوقائع والأعلام وبعض الأحكام، والذي كانوا يجدون فيه ما يكفي لرفع قارئ القرآن إلى مستوى إدراكهم وتحسّسهم للغرض الأساسي من القرآن الكريم، بدليل أن ابن عباس- رضي الله عنهما- لم يؤثر عنه، وقد دعا له النبيّ صلى الله عليه وسلم بأن يفقهه الله في الدين ويعلمه التأويل، لم يؤثر عنه في تفسير القرآن إلا نحو من مائة أثر أو مسألة كما قال الإمام الشافعي- رضي الله عنه-. وهذا قدر قليل جدا من ترجمان القرآن إذا ما قسناه بالمطولات وكتب
التفسير التي دونت فيما بعد.
ولهذا: كان اختلاف الصحابة والسلف في التفسير اختلاف تنوع لا اختلاف