للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول ساطع الحصري: «ومما يجب أن لا يغرب عن البال أن اللغة العربية، بعد أن أصبحت لغة الجميع في هذه البلاد الشاسعة (المشار إليها في الفقرة السابقة) تعرضت إلى محن خطيرة، مدة قرون طويلة، بسبب ما طرأ على العالم العربي من التفكك السياسي، والجمود الفكري والاجتماعي، والانحطاط الثقافي، لأن كل ذلك كان من شأنه أن يؤدي إلى انحلال الروابط المادية والمعنوية بين مختلف الأقطار العربية، ويفسح مجالا واسعا لتغلب العامية، ويطلق العنان للهجات المحلية. ولذلك أصبحت اللغة العربية معرضة لخطر التفكك التام، والتفرع إلى لغات عديدة يختلف بعضها عن بعض اختلافا كبيرا، لا يترك مجالا لتفاهم المتكلمين بها ... وذلك مثلما حدث للغة اللاتينية» (١).

ثم يقول: «ولكن القرآن وقف سدا منيعا أمام هذه الأخطار الجسيمة، وحال دون استشراء هذا التفكك، وذلك لكونه عربيا، ولكون الديانة الإسلامية تفرض على جميع المسلمين والمسلمات حفظ طائفة من آياته، وتلاوتها كل يوم عدة مرات خلال الصلوات».

ونستطيع أن نقول في التعقيب على هذا الموضوع- بكلمة عابرة-: إن الدعوات المشبوهة إلى العامية- التي أرّخت لها بدقة الدكتورة نفوسة زكريا في كتابها: تاريخ الدعوة إلى العامية وآثارها في مصر (٢) - سيكون نصيبها الفشل المحقق، لا نقول هذا رجما بالغيب، ولكن بالنظر إلى التاريخ الذي تحدثنا عنه


يعارض ما قدمناه، ولكن ذلك الضبط لم يكن في وسعه حماية اللغة العربية من تلك الأخطار لولا وجود القرآن الكريم نفسه. ومعنى ذلك أن القرآن الكريم كان «باعثا» على ذلك الضبط، و «حافظا» لهذه اللغة.
(١) ما هي القومية؟ ص ٢٠٧ ويضيف الحصري: «وغني عن البيان أنه لو حدث ذلك، لأدّى حتما إلى انشطار الأمة العربية إلى أمم مختلفة، ولما بقي على البسيطة شيء يستحق التسمية باسم القومية العربية».
(٢) طبع منشأة المعارف بالإسكندرية.

<<  <   >  >>