قبل قليل، والذي أثبت استعصاء اللغة العربية الفصيحة على الاضمحلال والتفكك والزوال، ما دام القرآن موجودا يعلن خلود لغته خلوده،، قال تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩)، وصدق الله العظيم.
إن التكفل الإلهي بحفظ القرآن الكريم- بوصف الإسلام الدين الخاتم إلى يوم الدين- يتضمن تلقائيا، أو في طياته تكفلا بحفظ اللغة العربية من التحلل والتفكك والزوال ... فبقاء القرآن يعني بقاء لغته الشريفة! أن اللغة العربية لن يأتي عليها زمان- من وقت نزول القرآن إلى يوم الدين- تصبح فيه لغة ميتة أو تاريخية ... أو بحيث يصبح فهمها والتعامل معها- فضلا عن استخدامها- لا يقوى عليه إلا الخاصة، أو يحتاج إلى ترجمان! ولسوف تبقى العربية مع ذلك التكفل الإلهي لسان الملايين ... وبخاصة إذا تذكرنا أيضا قول الله تبارك وتعالى:
وعلى الرغم من اعتقادنا الجازم بأن مسألة انتصار اللغة العربية الفصيحة على سائر اللهجات و «العاميّات» في البلاد العربية، مسألة محسومة، ولا تحتاج منا إلى جهد يذكر! فإننا ننظر إلى دعوة بعضهم- اليوم وبعد الاستعمار اللغوي الثقافي الطويل في الجزائر وغيرها- إلى الكتابة بالعامية- كسعيد عقل ولويس عوض وضربائهما- على أنها دعوات مشبوهة، هدفها الأخير قطع الأمة العربية الإسلامية عن ماضيها وتراثها وتاريخها، لتبدأ- على زعمهم- من الصفر، ولتتمزّق من ثم إلى شعوب متباينة وأمم شتى! وكأن أصحاب هذه الدعوى- بالنظر إلى ما قدمناه من فضل القرآن الكريم ويده الطولى على العربية، بل ما منحه إياها من الشرف والرفعة والسموّ والقداسة- إن صح التعبير- يقومون بحركة التفاف وتطويق حول القرآن الكريم نفسه، وحول الثقافة العربية والفكر الإسلامي على وجه العموم؛ علّهم ينجحون حيث أخفق الكثير من محترفي الاستشراق والتبشير: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ (٣٠)[سورة الأنفال، الآية ٣٠].