الأمر الثالث: محاولته تجاوز عصر الخلاف، أو عصر المذهبيّة الفكرية في تفسير القرآن التي وقعت في خطأ المقرر الفكري المسبق كما أشرنا؛ وذلك خضوعا للمدلولات القرآنية المباشرة، أو بصورة مباشرة. على ما يحتاج إليه هذا الأمر من ثقافة واسعة، وحس مرهف، وتمكّن علمي، وتجربة عملية أو نهوض بأعباء الدعوة يؤهل صاحبه- في ظل أوهاق المناخ السابق- لمثل هذا الفهم المتكامل الذي يتخلّص من التجزي أو من أخذ الصورة القرآنية تفاريق!
الأمر الذي يعيد للتنزيل العزيز، بملابساته التي أشرنا إليها في مبحث التنجيم، طبيعته في إقامة مجتمع المسلمين ودولة الإسلام، وفي تحدي الكفار والمنافقين وسائر المجتمعات المناقضة الأخرى، بعد هذا الاشتغال الطويل من قبل المفسّرين بالتحديات «الداخلية» التي قامت في المجتمعات الإسلامية عبر تاريخها الطويل.
وعندنا أن «في ظلال القرآن» امتاز بهذه الأمور الثلاثة؛ فلم يكن بذلك من أهم المعالم الرئيسة في تاريخ التفسير، فحسب، بل كان كذلك تفسير العصر الذي لا يغني عنه تفسير آخر من تفاسير علمائنا الأوائل- رحمهم الله تعالى-، وجزاهم عن كتابه أحسن الجزاء: وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى. ولكن قد يكون من المقدمات الضرورية لفهم الظلال والأخذ عنه- نظرا لضعف السليقة اللغوية في أبناء العصر- دراسة كتاب دقيق في غريب القرآن، كمختصر تفسير الطبري، أو مفردات القرآن للراغب الأصفهاني.
أما الأمر الأول فإنه يشكل قاعدة هذا التفسير، ونسيجه المتفرد الخاص، كما هو واضح لأي قارئ شدا طرفا من العلم والمعرفة. وليس إدراك الأمر الثاني في تفسير الظلال بأبعد منالا من إدراك الأمر الأول؛ لأنهما ينبعان من مشكاة واحدة، فقد تمثلت في جيل الصحابة أمة القرآن بكل خصائصها ومميزاتها ... وهذه هي الأمة التي كانت تتراءى لسيد- رحمه الله- من خلال نصوص القرآن الكريم، وهو