نوديت الأرض وكان النداء ب «يا»، ثم بإضافة الكاف إلى الماء، ثم بنداء السماء وأمرها بما يخصها، ثم بمجيء الفعل «غيض» على صيغة «فعل» الدالة على أنه لم يغض إلا بأمر آمر، ثم تأكيد ذلك بقوله: وَقُضِيَ الْأَمْرُ، ثم ذكر ما هو فائدة هذه الأمور وهو: وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ثم مقابلة «قيل» في الخاتمة ب «قيل» في الفاتحة: أجل، جعل الجرجاني ما سماه بمبدإ العظمة فيما أسلف من القول.
وعلى قياسه نستطيع أن نقول: وقيل يا أرض اشربي ماءك ويا سماء امنعي، وأزيل الماء ونفّذ الأمر واستقرت على الجودي وقيل هلاكا للقوم الظالمين. فيتحقق بذلك كل ما جعله الجرجاني مبدأ العظمة وحده، ويوازي القول دون نقص».
ولكن مهلا، فإن اختيار لفظ البلع دون الشرب، وكلمة اقلعي دون امنعي، وفعل قضي المبني للمجهول، دون «نفذ» المبني للمجهول أيضا، واستوت على الجودي، دون استقرت. كلّ ذلك مما يرتفع بالآية إلى الإعجاز، وهو في صميمه راجع فيما يرجع إليه إلى اللفظ دون الإسناد.
«وما نقوله في ذلك نقوله في المقاطع والفواصل، وإن شئت فانظر مثلا قول الله عزّ وجلّ: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (١١) وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (١٢) وَبَنِينَ شُهُوداً (١٣) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (١٤) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (١٥)[سورة المدثّر، الآيات ١١ - ١٥] وحاول أن تقرأه على هذه الصورة: «ذرني ومن خلقت وحيدا، وجعلت به مالا مبسوطا، وبنين حاضرين، ومهدت له تمهيدا، ثم يطمع أن أكثر» فإنك إذا فعلت ذلك لم تخرج عن قضية النظم النحوي كما عناه عبد القاهر، ولكنك تغفل أثر المقطع والفاصلة، فتهبط بالكلام من مستوى إلى مستوى، وذلك ما كان ينبغي أن يلتفت إليه هذا الدارس الحصيف، وما أحراه أن يدخل اختيار اللفظ وجمال المقطع في ترتيب النظم بحيلة فكرية كما أدخل الاستعارة من قبل» (١).