تمثل منها عند العرب في جزيرتهم، فطرة واستعدادا ما لم تملك مثله أمة من الأمم، أو شعب من الشعوب، أو قبيلة من القبائل.
أقول: فطرة واستعدادا، تمييزا لهذه الأهلية من حيث الفطرة والاستعداد، عن واقع العرب وسلوكهم وممارساتهم في الجاهلية. فالعرب أصلح شعوب الأرض قاطبة لنزول القرآن فيهم وبلغتهم، وللنهوض بحمل أعباء رسالة الإسلام الإنسانية؛ فطرة واستعدادا، ومواهب وملكات، لا واقعا وسلوكا وممارسات ...
في لحظة تاريخية غلبت عليها الحروب والمنازعات، أو سرت إليها بعض الأخطاء والنقائص في الاقتصاد والاجتماع وسائر شئون الحياة ... ومن هنا جاء قول النبيّ صلى الله عليه وسلم:«تجدون الناس معادن، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون من خير الناس في هذا الأمر أكرههم له قبل أن يقع فيه» - رواه الإمام مسلم- وهذا أيضا ما دلّ عليه دعاء النبيّ صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي أخرجه الترمذي والإمام أحمد- «اللهم أعزّ الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك:
بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب» فإن الدعاء لأحدهما على هذا النحو يدل على إمكانية ترقي كل منهما، بناء على موهبته واستعداده، في المعارج التي ارتقى إليها عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يوم أسلم، والمكانة التي تبوأها في التاريخ الإسلامي والإنساني، في حين تورات مواهب عمرو بن هشام- أبي جهل- التي لم تكن بأقل من مواهب ابن الخطاب، وراء رمال الجزيرة، قتلتها العداوة، ودفنها الصلف والجحود! وإن شئت قلت: ضاعت تلك المواهب، أو تلك الفطرة وذلك الاستعداد ... حين لم تتصل بالإسلام، أو حين كفر صاحبها بمحمد والقرآن!
وقد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، في سياق حديثه عن الخصائص العقلية والبيانية، وسائر الخصائص الأخرى التي فضّل بها العرب ... إلى نحو هذا التفريق الذي قدمناه، فقال:
«وسبب هذا الفضل- والله أعلم- ما اختصوا به في عقولهم وألسنتهم