«فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أسأتم في الردّ إذ أفصحتم بالصدق، وإن دين الله لن ينصره إلا من حاطه بجميع جوانبه، أرأيتم إن لم تلبثوا إلا قليلا حتى يورثكم الله أرضهم وأموالهم ... » الحديث.
«ثم نهض النبيّ صلى الله عليه وسلم فأخذ بيد أبي بكر، فقال: يا أبا بكر، يا أبا حسن، أية أخلاق في الجاهلية ما أشرفها! بها يدفع الله بأس بعضهم عن بعض، وبها يتحاجزون فيما بينهم»(١).
قلت: والناظر في هذا الحديث، أو هذا الحوار بنصّه في كتب السيرة- وقد طوينا بعض جوانبه المطوّلة- لا يصعب عليه أن يهتدي إلى ما كان عليه أمر القوم، أو هذا الحي من أحياء العرب من نظام وشورى، وإنزال الناس منازلهم ومعرفة لكل ذي حق واختصاص حقّه وقدره، إلى جانب ما تمتعوا به من أدب وحسن استقبال، وأناة وبصر بالسياسة وعواقب الأمور، وحفظ للمواثيق والعهود ... فوق ما عرفوا به جميعا من الشجاعة ونصرة المظلوم، وما انطوى عليه لسانهم من بلاغة وبيان، وقدرة فائقة على الخلوص وحسن التعبير! ...
خلاصة وتعقيب: وأخيرا: فإن الخلاصة التي يمكن أن ننتهي إليها من خلال هذا العرض الموجز للنقطتين السالفتين: أن هذا الاختيار الإلهي للعرب- قوما ولسانا- لينزل القرآن الكريم بلغتهم، وليكلّفوا بحمل أعباء رسالته إلى العالمين ... يتساوق أو ينسجم تماما مع الطابع الإنساني، العام والخالد، لهذه الرسالة. بل إن هذا
(١) الروض الأنف للفقيه المحدّث أبي القاسم السهيلي ٢/ ١٨١ - ١٨٢ طبعة الإمبابي بمصر ١٩٧٢. وانظر الطبعة الأخرى بتحقيق عبد الرحمن الوكيل ٤/ ٦١. والحديث أخرجه الحاكم وأبو نعيم والبيهقي بإسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما. انظر الزرقاني في شرحه على المواهب ١/ ٣٠٩.