«بيانية» للإشارة إلى أن هذه الرسالة هي رسالة الإنسان ... حيث كان الإنسان، وفي أي زمان وجد! ...
«بل جعل دليل هذه المعجزة «الناطقة» شيئا زائدا في هذا البيان، بلغ حد التحدّي أن يأتي أحد بسورة منه، فلم يستطع ذلك أحد، ولن يستطيع ذلك أحد، إشارة أيضا إلى فضيلة «البيان» التي قد يتفاضل بها «الناطقون» على قدر تفاوتهم في رقة المشاعر، ورهافة الحس، وحساسية الوجدان ... ما دامت هذه الرسالة الإنسانية ستخاطب في الإنسان جميع ملكاته وإحساساته ومشاعره ...
«ولعل في ابتداء نزول القرآن الكريم بقوله تعالى (اقرأ) ما يشير إلى هذه «الطبيعة الإنسانية» لآخر رسالات الله تعالى إلى الإنسان: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥)[سورة العلق، الآيات ١ - ٥].
بل لعل في تخصيص الإنسان بالبيان في قوله تعالى: الرَّحْمنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيانَ (٤)[سورة الرحمن، الآيات ١ - ٤]؛ ما يؤكد جميع هذه
المعاني، ويوحي بها كذلك؛ فبالبيان يمتاز الإنسان من سائر المخلوقات .. وبميزة البيان تمتاز رسالة الإسلام، وإن شئت قلت: رسالة الإنسان من سائر الرسالات.
ولم يكن البيان- بمعناه الأدق من «المنطق» كما توحي بذلك بعض الآيات القرآنية الأخرى- وقفا على لغة من اللغات، أو أمة من الأمم ... ولكن اختيار لغة العرب لينزل بها القرآن .. وليحمل بها إلى العالم رسالة الإنسان، يشير إلى فضيلة بيانية جامعة امتاز بها اللسان العربي على كل لسان.
ولأمر ما أسلم من أسلم من العرب بهذا البيان المعجز، وقال فيه من فصحاء العرب المشركين ما قال ... ولأمر ما يخشع أمام تلاوته من غير المسلمين والعرب من لم يسمع حرفا واحدا من لغة العرب في غابر الأزمان» (١).
(١) البيان النبوي للمؤلف ص ٢٠ - ٢١. مكتبة دار الفتح بدمشق ١٣٩٣ هـ.