الثاني للتفسير عندهم بعد «المأثور»: الرأي أو الاجتهاد، وعليه أن يعرف مع ذلك الألفاظ العربية ومعانيها بالوقوف على ما ورد في مثله من الشعر الجاهلي ونحوه، ويقف على ما صح عنده من أسباب النزول، وقواعد الترجيح ... يقدم المفسر مستعينا بهذه الأدوات ويفسر القرآن بحسب ما أداه إليه اجتهاده. والواقع أن كثيرا من الصحابة كان يفسر الآيات من القرآن بهذا الطريق.
ويبدو أن هذين الاصطلاحين (التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي) لم يدلّا على منهجين متميزين في التفسير إلا في آخر هذه الخطوات التي تلخص تاريخ التفسير وتدوينه على حد سواء، والتي نوجزها فيما يلي:
١ - اتخذ التفسير في مرحلته الأولى شكل الحديث، بل كان جزءا منه وبابا من أبوابه. ومن المعلوم أن الحديث كان هو المادة الواسعة التي شملت جميع المعارف الدينية تقريبا، لأنه كان يقوم على الرواية، التي هي الأصل في نقل جميع العلوم الدينية واللغوية والأدبية ...
وفي هذه المرحلة أخذ المؤلفون في آخر العصر الأموي وأول العباسي يجمعون «الأحاديث» المتشابهة المتعلقة بموضوع واحد، كما فعل الإمام مالك في «الموطأ» ومحمد بن إسحاق في كتاب «السيرة النبوية».
ويلاحظ في هذه المرحلة أن ما روي عن الصحابة في تفسير القرآن كان قليلا وأن أكثر الصحابة قولا في التفسير: ابن عباس، وابن مسعود، وأبيّ بن كعب، وعلي بن أبي طالب. كما يلاحظ أن «طبقات المفسرين» بدأت تتضخم شيئا فشيئا، لأن «التابعين»«رووا» كل ما ذكره الصحابة- نقلا أو اجتهادا- ومنهم من «فسر» أيضا، ثم جاءت الطبقة التي تلتهم ففعلت مثل ذلك. وكان لبعض رجال هذه الطبقات اتصال ببعض رجال أهل الكتاب- اليهود- الذين دخلوا في الإسلام، وكان هذا مبدأ دخول «الإسرائيليات» في كتب التفسير، وإن كان عدم التزام المنهج العلمي والموقف الذي أمر النبيّ باتخاذه من رواياتهم- كما فصله