- رحمه الله- أن يلاحظ أن هذا الصنف من التفسير قلّ أن ينفرد عن الأول، ولكن «إنما جاء هذا بعد أن صار اللسان وعلومه صناعة» قال: «نعم، قد يكون في بعض
التفاسير غالبا. ومن أحسن ما اشتمل على هذا الفن من التفاسير كتاب (الكشاف) للزمخشري من أهل خوارزم العراق» (١).
وهذا الغالب هو ما نودّ هنا أن نشير إلى منهجه الخاص، أو قواعده التي يسير عليها ... والتي يمكن من خلالها- مرة أخرى- التمييز بين أصناف، أو «ألوان» من هذا التفسير الأدبي نفسه.
والأصل في منهج التفسير الأدبي أو البياني: أن يقدم الدارس على دراسة النص القرآني وتحليله على نحو ما يفعل في سائر النصوص الأدبية العالية من منظوم ومنثور- وإن كان لا سبيل إلى مقارنتها بالقرآن الكريم في إعجازه البياني كما رأيت- وليس في هذا ما يخرجنا من نطاق «التفسير» إلى نطاق «الأدب» من كل وجه، لأن التحليل الأدبي للقرآن لا يستغني عن بعض قواعد التفسير، حتى لا يخطئ الدارس في فهم المعنى المراد، ويضيع عليه، من ثم، فهم المفردات والتراكيب ونواحي البيان.
ويمكن إجمال هذه القواعد بالأمور التالية:
١ - ضرورة الوقوف على سبب النزول، لأن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبّب؛ ولهذا فإن سبب النزول يعين على فهم أدق وأحكم للنص القرآني وربما حجز المفسّر عن الوقوع في الخطأ أو اللبس في فهم الآية أو الآيات في بعض الأحيان.
(١) ويضيف ابن خلدون: «إلا أن مؤلفه من أهل الاعتزال في العقائد، فيأتي بالحجاج على مذاهبهم الفاسدة ... فصار ذلك للمحققين من أهل السنّة انحراف عنه ... مع إقرارهم برسوخ قدمه فيما يتعلق باللسان والبلاغة. وإذا كان الناظر فيه واقفا مع ذلك على المذاهب السنيّة، محسنا للحجاج عنها، فلا جرم أنه مأمون من غوائله، فلتغتنم مطالعته لغرابة فنونه في اللسان» المقدمة ص ٤٠٥، طبعة دار الشعب.