ثم الرد على هذه التصورات ببيان حقيقة حالهم التي تنبع منها هذه التصورات. وهي تشمل لونين من ألوان العبارة والتنغيم: كَلَّا* بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ. وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ. وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا وَتُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا.
ويلاحظ أن هذا اللون الأخير هو قنطرة بين تقرير حالهم وما ينتظرهم في مآلهم، فقد جاء بعده كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا ... فهو وسط في شدة التنغيم بين التقرير الأول والتهديد الأخير!
ومن هذا الاستعراض السريع تبدو الألوان المتعددة في مشاهد السورة.
وإيقاعاتها في تعبيرها وفي تنغيمها. كما يبدو تعدد نظام الفواصل وتغير حروف القوافي بحسب تنوع المعاني والمشاهد، فالسورة من هذا الجانب نموذج واف لهذا الأفق من التناسق الجمالي في التعبير القرآني. فوق ما فيها عموما من جمال ملحوظ مأنوس!
فأما أغراض السورة الموضوعية التي يحملها هذا التعبير المتناسق الجميل فنعرضها فيما يلي بالتفصيل:
وَالْفَجْرِ وَلَيالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ. هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ. هذا القسم في مطلع السورة يضم هذه المشاهد والخلائق ذات الأرواح اللطيفة المأنوسة الشفيفة. وَالْفَجْرِ ساعة تنفس الحياة في يسر وفرح، وابتسام وإيناس ودود نديّ، والوجود الغافي يستيقظ رويدا رويدا، وكأن أنفاسه مناجاة، وكأن تفتّحه ابتهال.
وَلَيالٍ عَشْرٍ أطلقها النص القرآني ووردت فيها روايات شتى ... قيل هي العشر من ذي الحجة، وقيل: هي العشر من المحرّم، وقيل: هي العشر من رمضان. وإطلاقها هكذا أوقع وأندى. فهي ليال عشر يعلمها الله، ولها عنده شأن.