للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنه يجعل الطاغية أسير هواه، لأنه لا يفيء إلى ميزان ثابت، ولا يقف عند حد ظاهر، فيفسد هو أول من يفسد، ويتخذ له مكانا في الأرض غير مكان العبد المستخلف، وكذلك قال فرعون أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى عند ما أفسده طغيانه، فتجاوز به مكان العبد المخلوق، وتطاول به إلى الادعاء المقبوح، وهو فساد أي فساد. ثم هو يجعل الجماهير أرقاء أذلاء، مع السخط الدفين، والحقد الكظيم، فتتعطل فيهم مشاعر الكرامة الإنسانية، وملكات الابتكار المتحررة التي لا تنمو في غير جو الحرية. والنفس التي تستذل تأسن وتتعفّن، وتصبح مرتعا لديدان الشهوات الهابطة والغرائز المريضة. وميدانا للانحرافات مع انطماس البصيرة والإدراك. وفقدان الأريحية والهمة والتطلع والارتفاع، وهو فساد أي فساد ...

ثم هو يحطم الموازين والقيم والتصورات المستقيمة، لأنها خطر على الطغاة والطغيان. فلا بد من تزييف للقيم، وتزوير في الموازين، وتحريف للتصورات كي تقبل صورة البغي البشعة، وتراها مقبولة مستساغة .. وهو فساد أي فساد!

فلما أكثروا في الأرض الفساد، كان العلاج هو تطهير وجه الأرض من الفساد: فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ. إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ! ...

فربك راصد لهم ومسجل لأعمالهم؛ فلما أن كثر الفساد وزاد صبّ عليهم سوط عذاب. وهو تعبير يوحي بلذع العذاب حين يذكر السوط، وبفيضه وغمره حين يذكر الصب، حيث يجتمع الألم اللاذع والغمرة الطاغية، على الطغاة الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد!

ومن وراء المصارع كلها تفيض الطمأنينة على القلب المؤمن وهو يواجه الطغيان في أي زمان وأي مكان. ومن قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ تفيض طمأنينة خاصة. فربك هناك راصد لا يفوته شيء، مراقب لا يندّ عنه شيء.

فليطمئن بال المؤمن، فإن ربه هناك! .. بالمرصاد .. للطغيان والشر والفساد!

<<  <   >  >>