وألفوا أمثالها، فإن هذه الصورة ترمز إلى جميع أنواع العدوان في ميادين الصراع بين البشر الذي يكون الاعتداء طريقه، والتسلط والسلب غايته!
وأما القسم الثاني: فهو تحليل سريع موجز لنفسية الإنسان: إنه شديد الحب للمال، كفور بنعمة الله، وهو يعرف ذلك من نفسه. وإن حبه هذا الشديد للمال، مع الغفلة عن تذكر المنعم وشكره، هو الذي يدفعه إلى الاعتداء على الآخرين، ولو كان ذاكرا لنعمة الله لصدّه ذلك عن الاعتداء على عباده!
والقسم الثالث: إهابة وتنبيه وتذكرة بالمصير بعد الفناء؛ إذ يبعث البشر من قبورهم وتجمع حصائل الأعمال من الصدور التي هي كناية عن النيّات والدوافع التي بها تقاس الأعمال إن كانت خيرا أو شرا.
وتختتم الأقسام الثلاثة بهذه الآية التي هي آخر المراحل: إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ. فمن صراع في هذه الحياة التي يعيش فيها الإنسان مدفوعا بدافع من حب المال وفي غفلة عن تذكر الخالق المنعم، إلى موت يعقبه بعث وحساب على الأعمال والنيّات حيث يكون المحاسب هو الله الخبير بأحوال العالم، وبأعمالهم، المطلع على نيّاتهم.
إن هذا النص كما ترى غني بمشاهده وأفكاره بالنسبة إلى قصره وإيجازه، ولكن الفكرة الأساسية التي يبدو أنها هي المقصودة من السورة هي الفكرة المتجلية في الآية الأخيرة والتي نستطيع أن نلخصها في قولنا، إنها (مسئولية الإنسان العظمى أمام الخالق بعد هذه الحياة) وكل ما تقدمها من مشاهد وأفكار كان وسيلة للوصول إليها وتثبيتها في الفكر والقلب ...
وإن فكرة مسئولية الإنسان العظمى هذه من الأفكار، بل العقائد الأساسية التي تضمنها القرآن، وكررها في أشكال وصور متنوعة كثيرة، وجعلها ركيزة أساسية في نظامه الأخلاقي والتشريعي، وجزءا من فلسفة الحياة التي جاء بها.