نقطة انطلاق للتأمل والتفكير، وكان في الوقت نفسه صورة رمزية تدل على اعتداء الإنسان، أورد مورد القسم، وكثيرا ما يأتي القسم في القرآن للإيقاظ والتنبيه وإثارة النفس وإعدادها لما يأتي من المعاني.
٢ - أما طريقة القسم الثاني من النص فقد كانت التحليل النفسي، فقد انتقلنا من مشهد واقعي من مشاهد الحياة إلى التأمل في نفسية الإنسان، ومن الصور الحية النابضة المجردة النفسية، وكان عرض الأفكار في هذا القسم عرضا مباشرا مجردا خاليا من التصوير أو الوصف المادي.
٣ - وقد عاد النص في القسم الثالث إلى طريقة الوصف والتصوير، فإذا بنا ننتقل من ذلك التأمل النفسي، ومن مشاهد الحياة اليومية إلى نهاية الحياة وإلى ما بعد الموت في صورة حسية قوية تبعث الروع؛ في أشد إيجاز وأقوى تعبير أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ تقترن بها صورة رمزية ترمز إلى جمع الأعمال وتشير إلى اعتبار النية فيها وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ. فكأن هذا القسم في طريقته حاكى القسم الأول في آيته الأولى، والثاني في آيته الثانية، فجمع بين التصوير الحسي الرائع والتحليل النفسي العميق في آيتين تصفان حادثة واحدة.
٤ - أما الخاتمة فقد جاءت على طريقة الأحكام المجردة بعد أن هيئت النفس بتلك الصورة الحسية المثيرة للخيال، والصورة النفسية الباعثة على التأمل لتلقي هذا الحكم خالصا مجردا.
وهكذا جمعت هذه السورة بين طريقة التصوير والوصف، وطريقة التحليل والعرض المباشر للأفكار، مع إيجاز وسرعة انتقال، هذا عدا ما في القسم الأول من فن عجيب في قطع سلسلة المشهد ليتمّها القارئ بخياله، إذ تقف قصة الغارة عند التقاء الجمعين. ولك أن تتصور أيها القارئ ما تتصور من جرائم النهب والسلب والقتل والاعتداء، تلك الأعمال التي تستدعي الحكم الوارد في القسم الثاني على الإنسان الكفور الجاحد!