ولكنها على ذلك متقاربة في أوضاعها وتصاريفها وحركات إعرابها، ولم تكن المغايرة بينها تخرجها- على كل حال- عن اعتبارها في الأصل لغة واحدة ذات قوانين تطرد في جميعها، ما عدا لغة حمير فإنها تخالف لغة مضر خلافا ظاهرا، ولا توافقها في أكثر أوضاعها ومقاييسها (١).
وإلى جانب هذا الاختلاف من حيث هيئة النطق وما إليه مما يسمى باللهجة؛ فقد كان هنالك اختلاف لغوي آخر من حيث معاني الكلمات، على نحو ما ذكر السيوطي في كتابه «المزهر» وأكده ببعض القصص، على بعد بعضها وغرابته!!
وعلى أية حال فقد قضى القرآن الكريم حين نزل بلغة قريش على هذا التناكر والاختلاف، وجمع العرب على هذه اللهجة- أو اللغة- على المدى البعيد، وقد قيل في لغة قريش: إنها كانت أفصح اللغات وأعذبها لأنها صقلت بحياة الحضر، وبكثرة الاختلاط بالقبائل العربية، نظرا لمكانة قريش الدينية والتجارية في جزيرة العرب، وقد كانت هذه اللغة يومئذ أوسع اللغات انتشارا في الجزيرة، وكان الناس يقبلون عليها ويستريحون إليها أكثر من غيرها. ويوجز الشيخ العلامة محمد الخضر حسين أسباب تفضيل لغة قريش عن سائر لغات العرب، واعتبارها أفصح هذه اللغات، بوجهين:
أحدهما: بعدهم عن بلاد العجم من جميع جهاتهم. ولهذا لم يحتجّ أهل الصناعة العربية إلا بلسانهم أو ما كان قريبا منه، ولم يعتمدوا لغات القبائل التي
(١) اللغة العربية (لغة مضر أو عرب الشمال في نجد) هي إحدى اللغات الأعرابية التي يقال لها خطأ: «اللغات السامية». وإذا نظرنا في تمام القاموس العربي وفي كمال الصرف والنحو، وجب أن نعدّ اللغة العربية أمّا للغات الأعرابية جمعاء. وهذه اللغات هي: العربية والحميرية والعبرية والآرامية والبابلية وأخواتها. وسماها الدكتور فروخ أعرابية، لأنها كلها نشأت في شبه جزيرة العرب. راجع كتاب: عبقرية اللغة العربية للأستاذ الدكتور عمر فروخ رحمه الله، ص ٧ دار الكتاب العربي- لبنان ١٩٨١.