تختلف أساسا في الطرق المختلفة للتفكير، أو في مجموعة المعاني التي يعبر عنها خلال اللغة، فلكل ثقافة مفاهيمها الخاصة بالحياة والعالم، وتنعكس هذه المفاهيم على طبيعة لغتها.
يقول الأستاذ العلّامة فيليب هـ. فينكس:«ومن خلال اللغة يسهم الفرد في المعاني الحيوية للثقافة. والسبب الأساسي لتعلم اللغات الأجنبية أن يستطيع الفرد فهم الثقافات التي تمثلها هذه اللغات فهما حقيقيا ومن الداخل. فدراسة اللغة اللاتينية لا تستهدف تدريب العقل ولا مساعدة الفرد على فهم أفضل للّغة الإنكليزية فحسب ... ولكن الهدف الأساسي من هذه الدراسة أن تقدم للفرد معنى الحضارة الرومانية، ذلك الكلّ المعقد الغريب من التقاليد والقوانين والمفاهيم التي أتاحت لقرون عديدة بعض الأساس للأمن والوحدة لشعوب عديدة يائسة. ودراسة اللغة اليونانية القديمة تربط الفرد ربطا وثيقا بحضارة تقوم على تأمل فلسفي عميق، وتتميز بالمسرحية والتاريخ، وبديمقراطية سياسية ذاتية، وبخلق فني جبار ...
إلخ» (١).
والذي نود تقريره هنا: هو القول بأن دراسة اللغة العربية تقدم للفرد معنى الحضارة الإسلامية، وتربطنا ربطا وثيقا بهذه الحضارة التي تقوم على مبدأ الإيمان العميق بالإله الواحد جل وعلا، وتنبني على قواعد من التوازن والشمول والإيجابية، وتدور على مبررات إنسانية قوامها روح المساواة بين الأفراد وبين الأمم والشعوب.
فإذا علمنا أن هذه المبررات وتلك القواعد إنما جاء بها القرآن الكريم، وأضفنا إلى ذلك ما قدمناه في الأثر الموضوعي السابق، أدركنا معنى صدور الحضارة العربية والفكر الإسلامي عن القرآن، واستطعنا من خلال ذلك: التقدم لإيراد بعض الأمور الشارحة والموضحة لهذه الحقيقة الكبيرة: