للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يدل على ذلك ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة الذي أشرنا إليه عند الكلام على الوحي وصوره في البحث السابق. غير أنه قد روى الشيخان عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: (سألت جابر بن عبد الله: أي القرآن أنزل قبل؟

فقال: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ فقلت: أو (اقرأ باسم ربك الذي خلق). فقال أحدثكم ما حدّثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني جاورت بحراء، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي (١)، فإذا هو جبريل، فأخذتني رجفة، فأتيت خديجة، فأمرتهم فدثروني، فأنزل الله: يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ ... »).

ولكن هذه الرواية تشير في الواقع إلى أول ما نزل من القرآن بعد فترة الوحي، بدليل ما رواه الشيخان أيضا من حديث جابر نفسه: «فبينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري قبل السماء، فإذا الملك الذي جاءني


يقول الأستاذ مالك بن نبي: «بينما ينفتح كتاب العهد القديم، منذ السطر الأول في سفر التكوين، على عالم الظاهرات المادية، وينفتح كتاب العهد الجديد في إنجيل يوحنه على عملية التجسيد، ينفتح القرآن على الجانب العقلي: اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ....
اقْرَأْ ... هذه هي الكلمة الأولى التي تفتح إليها أول ضمير إسلامي، ضمير محمد، ويتفتح لها بعده كل ضمير مسلم.
إن الحروف هي حقا أداة النقل للروح، لكل رسالة، لكل بلاغ، فهي الحامل والرمز لكل معلومة من المعلومات، فأول ما نزل به القرآن يشير إلى أهميتها، ويخصص موضوعها بالذكر، ويرسم في الضمير الإسلامي قيمتها منذ اللحظة الأولى في كلمة اقْرَأْ.
«إن الحرف ينقل ويبلغ الروح، وفي نفس الوقت يحفظه من الضياع، وسيحفظ أولا وقبل كل شيء القرآن نفسه، ذلك الكتاب الذي لم يتغير فيه حرف واحد منذ أربعة عشر قرنا، على خلاف كل الكتب الأخرى ... » كتاب «إنتاج المستشرقين» للأستاذ مالك بن نبي رحمه الله ص ٣٢.
(١) زاد في رواية: فنوديت فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني وعن شمالي، ثم نظرت إلى السماء.

<<  <   >  >>