ومثالا له ما رواه البخاري عن أنس بن مالك قال: قال أبو جهل: (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) فنزل قوله تعالى: وَما كانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ٣٣ وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ [الأنفال: ٣٣ - ٣٤](١).
وهناك ألفاظ وقرائن تدل على سبيل الرجحان على سبب النزول، كأن ترد الفاء التعقيبية داخلة على مادة نزول الآية بعد سرد حادثة ما، أو بذكر سؤال طرح على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، كأن يقول: سئل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن كذا فنزلت.
فهذا يدل على الرجحان، لا على سبيل الجزم، كما رأى ذلك بعض الباحثين لأنني وجدت آثارا كذلك ولم تدل على السبب، ويستوي في ذلك أن يكون السؤال الذي نزلت الآيات بسببه متصلا بأمر مضى كقوله تعالى: وَيَسْئَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ [الكهف: ٨٣].
أو بأمر حاضر كقوله: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ ..
[النساء: ١٥٣].
فنزلت في اليهود قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلّم: إن كنت نبيا فأتنا بكتاب جملة من السماء كما أتى موسى.
أو بأمر مستقبل نحو قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها .. [الأعراف: ١٨٧].
كما لا ينبغي أن يفهم كل سؤال ورد في القرآن وأجيب عنه، يدل على سبب النزول، فقد ورد لفظ يسألونك في اثني عشر موضعا، ولم يثبت لأكثرها سبب للنزول، وإن حاول بعض المفسرين أن يتمحل لها سببا وأتى بما لا طائل تحته.
بقي تحقيق القول فيما إذا قال الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا، هل يدل ذلك على سبب؟.
نقل السيوطي عن ابن تيمية أنه قال: قولهم: نزلت هذه الآية في كذا، يردا به تارة سبب النزول، ويراد به تارة أن ذلك داخل في الآية، وإن لم يكن السبب، كما
(١) والحديث رواه البخاري في صحيحه (٤٦٤٨) و (٤٦٤٩).