للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يدع فرصة تمر دون أن يحقرهم ويرميهم بالأوصاف المقذعة، فتارة يسميهم المجبرة وأخرى يسميهم الحشوية، وثالثة يسميهم المشبهة، وأحيانا يسميهم القدرية، تلك التسمية التي أطلقها أهل السنة على منكري القدر، فرماهم بها الزمخشري لأنهم يؤمنون بالقدر، كما جعل حديث الرسول صلّى الله عليه وسلّم الذي حكم فيه على القدرية أنهم مجوس هذه الأمة منصبا عليهم، وذلك حيث قال عند تفسيره لقوله تعالى في الآية السابعة عشرة من سورة فصلت: وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ ولو لم يكن في القرآن حجة على القدرية الذين هم مجوس هذه الأمة بشهادة نبيها صلّى الله عليه وسلّم- وكفى به شاهدا- إلا هذه الآية لكفى بها حجة (١).

[موقف الزمخشري من المسائل الفقهية:]

هذا، وإن الزمخشري- رحمه الله- يتعرض إلى حد ما، ودون توسع، إلى المسائل الفقهية التي تتعلق ببعض الآيات القرآنية وهو معتدل لا يتعصب لمذهبه الحنفي. فعند ما فسر قوله تعالى: .. إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ .. [البقرة: ٢٣٧] قال: والذي بيده عقدة النكاح الولي، يعني إلا أن تعفو المطلقات عن أزواجهن فلا يطالبنهم بنصف المهر، وتقول المرأة ما رآني، ولا خدمته، ولا استمتع بي، فكيف آخذ منه شيئا؟ أو يعفو الولي الذي يلي عقد نكاحهن، وهو مذهب الشافعي، وقيل: هو الزوج وعفوه أن يسوق إليها المهر كاملا، وهو مذهب أبي حنيفة، والأول ظاهر الصحة (٢).

[موقف الزمخشري من الإسرائيليات:]

ثم إن الزمخشري مقل من ذكر الروايات الإسرائيلية، وما يذكره من ذلك، إما أن يصوره بلفظ (روي) المشعر بضعف الرواية وبعدها عن الصحة، وإما أن يفوض


(١) الكشاف ج ٢ ص ٣٢١.
(٢) الكشاف ج ١ ص ٢٧٢.

<<  <   >  >>