يقودنا الحديث عن لغة القرآن وإعجازه إلى حديث عن ترجمة القرآن بلغة غير لغته، إذ مفهوم الترجمة- كما يقول لسان لعرب- هي نقل الكلام بلغة غير لغته، فترجمه وترجم عنه: إذا فسّر كلامه بلسان آخر، كما أن التّرجمان- بالضم والفتح- هو الذي يترجم الكلام، أي: ينقله من لغة إلى أخرى.
ويجدر بنا أن ننوه إلى أن الترجمة ضرورة لنا من أجل إبلاغ ديننا الذي لا يتأتى بدونها، وقد مارسها أجدادنا الأوائل بحال من الأحوال، وإن قلّ اعتمادهم عليها في صدر الإسلام الأول، نظرا لإقبال الشعوب غير العربية على تعلّم اللغة العربية التي هي عماد دينهم، فجعل القرآن منهم لسانا عربيا أنساهم في كثير من الأحيان لغاتهم الأصلية، بل نصّب الأعاجم أنفسهم لخدمة العربية، فكان منهم من وضع القواعد والأسس للغة القرآن، وما أفضل ما قاله الإمام ابن حجر:«إن العربيّ هو من تكلّم العربية وإن كان من العجم، والأعجمي هو من تكلّم غير العربية وإن كان من العرب».
أقول: إن الأهمية للترجمة قد بدأت تأخذ طريقها، وأحرى بنا أن نعتني بها، لأن البعثات التبشيرية والاستشراقية أصبحت المصدر الوحيد للمعرفة الإسلامية لأولئك الذي يسلمون من غير العرب، أو لأولئك الذين يرغبون في معرفة الإسلام.
بعد هذه اللمحة نتحدث عن حكم الترجمة للقرآن، ولا يفوتنا أن ننبه إلى نوعين من الترجمة:
ترجمة حرفية وترجمة تفسيرية. ولا خفاء أن الترجمة الحرفية مستحيلة، إذ إبدال حرف أو كلمة منه يخلّ بإعجازه الذي هو سمته، والتي بدونها لا يكون قرآنا، فكيف
بإبدال لغته، وعلاوة على ذلك، فإن الألفاظ العربية لها معنيان: معنى أصلي هو المعنى الذي لا اختلاف فيه في كل الألسنة واللغات، ومعنى ثانوي وهو المعنى