قوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ [الحج: ١١] يعني أنهم عبدوه على وجه الشك لا على اليقين والتسليم لأمره، قال مجاهد: على شك، وهذا علامة على القلق وعدم الثبات كضعف القائم على حرف مضطرب فيه، يكاد يسقط عنه.
وقال الحافظ أبو عمرو الداني إن من معاني الأحرف: اللغات، يعني أن القرآن أنزل على سبعة أوجه من اللغات، وقيل: اللغات يعني اللهجات. وعلى هذا فالحرف لغة:(يعني الطرف، وأحد حروف التهجي، والوجه واللغة واللهجة).
أما كلمة السبعة، فكما سبق أن قلنا: إن المراد منها حقيقة العدد المحصور بين الستة والثمانية وليس المراد منها المعنى المجازي.
[المعنى الاصطلاحي للأحرف السبعة:]
على الرغم من كثرة الأقوال التي تحدد المعنى الاصطلاحي للأحرف السبعة، إلّا أنه يمكن رد كثير منها وفق قاعدة متفق عليها «أن كل قول لا يستند إلى أثر ثابت هو مردود أيضا» مثل قول ابن مسعود المنسوب إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم والقائل: (كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد، وعلى حرف واحد، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف، زجر، وأمر، وحلال، وحرام، ومحكم ومتشابه وأمثال» (١).
فهذا القول لم يصح، فقد أخرجه الحاكم والبيهقي، وليس سنده يصح، ولو صح السند لكان حاسما للنزاع، على أنه قد روي عن ابن مسعود قول خلاف ذلك كما قال الطبري.
أو مثل القول:«محكم ومتشابه وناسخ ومنسوخ وخصوص وعموم وقصص».
كل هذه الأقوال وأمثالها قد ضربنا عنها صفحا ولم نتكلف الرد عليها لعدم استنادها إلى الدليل.
وبعد: فنبدأ برأي الطبري الذي استهل به تفسيره الشهير، وقد أطال كثيرا في تحديد المعنى لها وقد وافقه الطحاوي، واستفتح به القرطبي سائر الأقوال- وإن لم
يوافقه.
(١) جامع البيان ١/ ٢٣، قال السيوطي: حديث ابن مسعود أخرجه الحاكم والبيهقي، الإتقان ١/ ٤٨.