لقد تناول القرآن- موضوع القصة- لا كما يتناوله القصاص والأدباء، بل نهج فيه نهجا مختلفا ليحقق الأهداف والمرامي التي يريدها، فقصصه كما يقول الشاطبي لا يراد بها سرد تاريخ الأمم والأنبياء والأشخاص، وإنما المراد منها العظة والعبرة وهو الأعمّ، وبيان الأحكام أحيانا، الذي يرى فيه بعض المجتهدين (أن شرع من قبلنا شرع لنا). وقد ذكر القرآن لنا بعض أهدافه ومراميه والحكمة التي يقصدها: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ [هود: ١٢٠].
لذا جاءت القصة القرآنية متناثرة في سور متعددة، لتحقق الغرض الذي سيقت من أجله في كل سورة وردت فيها، إلّا ما ورد استثناء في قصة يوسف عليه السلام، التي وردت كاملة متكاملة غير منقوصة في سورة سمّيت باسمه عليه السلام، أما بقية قصص الأنبياء فقد وردت مشتتة ومجزأة، في مواضع مختلفة من السور؛ لتحقق العبرة والعظة التي سيقت من أجلها في تلك المواضع، وفي ذلك حكمة ربانية قد نعلمها أو لا نعلمها، وقصور علمنا البشري عن إدراك ذلك يجعلنا في حيرة، بل ليقول الذين في قلوبهم مرض ماذا أراد الله بهذا مثلا من هذا السرد القصصي، وهذا التكرار الذي لا داعي له، إذ ما معنى أن يقول عن قصة إبراهيم في سورة الذاريات مثلا: هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إلى قوله: فَجاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ [الذاريات: ٢٤ - ٢٦]، ويقول في سورة أخرى: أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ [هود: ٦٩] وهلم جرا من الآيات التي تقص طرفا من القصة وقد يأتي في موضع آخر من سورة أخرى بمثل ما ورد في الأولى.
وقد راح بعض المفسرين يجمع الأشتات في المواضع المتعددة وكوّن منها جميعا قصة، وكثيرا ما يدخل إليها تلك الإسرائيليات، ليكوّن منها مسلسلا عجيبا،