قلنا: إن المتشابه إنما سمي متشابها لاشتباه معناه على السامع الذي قد يكون منشؤه خفاء في اللفظ أو المعنى، وقد يكون ناشئا عن تركيب الجملة.
والخفاء في اللفظ أو المعنى أو التركيب يحدث الاشتباه والالتباس الذي قد يكون منشؤه اللغة، لتردد اللفظ بين الحقيقة والمجاز والوضوح والإبهام ونحو ذلك.
وقد يكون منشأ التشابه عائدا إلى العقل والسمع، وكل ما من شأنه أن يقطع بأن المراد من هذا التشابه أمر غير ظاهر، ولهذا فإن المراد من المتشابهات يجب أن يرجع فيه إلى المحكمات التي جعلها الله بمنزلة (الأم)، أي: الأصل الواحد الجامع الذي ترد إليه المتشابهات.
فقوله: الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى [طه: ٥]. يرجع في فهمه وتفسيره إلى قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: ١١].
وقوله تعالى: وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً [الإسراء: ١٦] يرجع فيه إلى قوله: قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ [الأعراف: ٢٨].
هذا هو منشأ التشابه وهذه تطبيقات عليه:
قلنا: إن التشابه يكون منشؤه خفاء المعنى في اللفظ، وهذا قد يكون على جهة التساوي، كقوله تعالى: وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ .. [البقرة: ٢٢٨].
فإن لفظ قرء يحتمل أن يراد به أحد المعنيين المتضادين: إما الحيض أو الطهر.
وقد يكون خفاء المعنى من جهة تركيب الجملة كقوله تعالى: .. أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ .. [البقرة: ٢٣٧]. يحتمل أن يراد به الزوج أو الولي، وقوله:
.. فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً فَكُلُوهُ هَنِيئاً مَرِيئاً .. [النساء: ٤]. يحتمل الزوج أو الولي أيضا.