وقد نجح جيل الصحابة- رضي الله عنهم- في تقديم أرفع النماذج الإنسانية، في كل مجال ... أما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، الذي قدمت لنا سيرته الشريفة أهم وسائل ذلك الإعداد التاريخي، وألقت ضوءا على فهم مراحله، فقد تجمع في شخصه الكريم كلّ تلك الصفات والجمالات الرفيعة، وبلغ في كل واحد منها شأوا لم يبلغه أحد ممن فرغ له نفسه، سواء أكان من الصحابة أم من غيرهم، فكان بذلك رسول الإنسانية الكامل وملاذها الأخير صلّى الله عليه وسلّم.
كان تشريع النسخ إذا جزءا من ذلك الإعداد التاريخي المرحلي، أو وسيلة من وسائله البارزة ... وبعد أن تم هذا الإعداد، الذي قدم لنا الأنموذج أو المثال الأخير كما قلنا، أصبحت الأمة الإسلامية مطالبة بالأحكام الأخيرة في البناء والإعداد، وأصبح النسخ «واقعة تاريخية» لا يمكن ولا يعقل تكرارها مرة أخرى بعد قيام الجيل الأول، وبعد أن تمت عملية الانتقال من الجاهلية إلى الإسلام بصورة تطبيقية عملية، أعطت أروع الأمثلة وأعمقها على «أن أحكام الإسلام ليست رؤيا مثالية في عالم الخيال ... ولكنها حقيقة حية في دنيا الواقع ...
وبذلك البعد الهائل الذي ليس له نظير، حتى كان مثلا يحتذى. نقول: أصبح النسخ واقعة تاريخية لا يعقل تكرارها، كما لم تعد هناك ضرورة لتكرار الجزئيات المرحلية في تربية الشخصية المسلمة والأمة المسلمة ...
[طريق معرفته:]
لا يصح القول في النسخ جزافا، فلا يعتمد في النسخ على قول المفسرين، ولا اجتهاد المجتهدين، من غير نقل صريح، لأن النسخ يتضمن رفع حكم، وإثبات حكم تقرر في عهده صلّى الله عليه وسلّم، والمعتمد فيه النقل والتاريخ دون الرأي والاجتهاد كما قال ابن الحصار.
هذا ما أوقع الكثير من العلماء في الخطأ، فبمجرد ظهور شبهة التعارض يلجئون إلى القول بالنسخ في حين أن الجمع بينهما ممكن، ولا شك أن الجمع هو الأولى من إهمال أحدهما ... بل الجمع بينهما ولو من وجه من الوجوه أولى من