نقصد برسم المصحف، أو كما يسميه بعض العلماء الرسم العثماني وهما واحد، لأن عثمان- رضي الله عنه- قد كتب المصاحف كما كتبت في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وأقرّ كتّاب الوحي على كتابتها بصورتها المعروفة. وقد اختلف العلماء في الرسم فذهب فريق منهم أن الرسم توقيفي. قال ابن المبارك في كتابه الإبريز:
قال الدباغ: (ما للصحابة ولا لغيرهم في رسم القرآن العزيز ولا شعرة واحدة، وإنما هو توقيف من النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهو الذي أمرهم أن يكتبوه على الهيئة المعروفة بزيادة الأحرف ونقصانها لأسرار لا تهتدي إليها العقول، وما كانت العرب في جاهليتها، ولا أهل الإيمان من سائر الأمم في أديانهم يعرفون ذلك، ولا يهتدون بعقولهم إلى شيء منه، وهو سر من أسراره، خصّ الله كتابه العزيز دون سائر الكتب السماوية، فلا يوجد شبه ذلك الرسم لا في التوراة ولا في الإنجيل، ولا في غيرهما من الكتب السماوية.
وكما أن نظم القرآن معجز فرسمه أيضا معجز، وكيف تهتدي العقول إلى سر زيادة الألف في مائة دون فئة، وإلى سر زيادة الياء في بأييد من قوله تعالى: والسّماء بنيناها بأييد .. [الذاريات: ٤٧].
أم كيف يتوصل إلى سرّ زيادة الألف في «سعوا» في قوله تعالى: وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ [الحج: ٥١].
وعدم زيادتها في سعو من قوله تعالى: وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ [سبأ: ٥].
وإلى سر زيادتها في قوله تعالى: فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ ..
[الأعراف: ٧٧].
وحذفها من قوله تعالى: وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً [الفرقان: ٢١].