إن الدليل على أن حقيقة الوحي شرعي لا عقلي، لأنه من الأمور الغيبية التي لا يقع عليها الحسّ، والذين يدللون على الوحي بالأدلة العقلية- ولو بحسن نية- إنما هم واهمون ومخطئون، فإن للعقل دائرته التي لا يتعداها، فهو يسلمنا إلى حقيقة وجود الخالق ويرشدنا إليه، فإذا ما أسلمنا إلى هذه الحقيقة فقد هدانا إلى الإيمان الذي من مقتضياته التسليم بما أخبرنا من أدلة قطعية، قال تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [النساء: ١٦٣]. وقال تعالى: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا [الشورى: ٥٢].
ويكفي دلالة على حقيقة الوحي إعجاز القرآن، الذي أثبت عقلا أنه منزل من الله على رسوله، وإن من آياته المعجزة ما دلنا على الوحي ومصدره، والنازل به والمنزل عليه، والكيفية والحالة التي نزل بها. أما التدليل على حقيقة الوحي بالأدلة العلمية لتقريبه للعقل فهو مجاف للصواب.
لقد ذهب بعض العلماء يفتشون لنا عن المقررات العلمية لإثبات القضايا الغيبية، فوجدوا الدليل الأول في التنويم المغناطيسي، فقالوا: إن الذي كشف هذا هو الدكتور مسمر العالم الألماني في القرن الثامن عشر، وجاهد هو وأتباعه مدى قرن كامل من الزمان في سبيل إثباته، وحمل العلماء على الاعتراف به، وقد نجحوا في ذلك، فاعترف العلماء به علميا بعد أن اختبروا به الآلاف المؤلفة من الخلق، واطمأنوا إلى تجاربه- هكذا يقول صاحب مناهل العرفان- وأخيرا أثبتوا بوساطته ما يأتي:
١ - أن للإنسان عقلا باطنا أرقى من عقله المعتاد كثيرا (١).
(١) إن أراد بهذا الكلام إقناع المسلمين بوقوعه، فإن المسلم يكفيه قول الله، وإن أراد أن يدلل لغير المسلم بهذه الواقعة على إمكانية حدوث الوحي في عالم الواقع فإن هذا الكلام يشككه حين