للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نقول: عنى بهذه الآية كذا (١)، فهي تحمل على التفسير إن ذكر فيها معنى تدل عليه الآية، وتحمل على بيان سبب النزول إن ذكر فيها ما دعا إلى نزولها.

مثال ذلك قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا ..

[النساء: ٩٤].

فإنه إذا قيل: نزلت هذه الآية في نفر من أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم، مر بهم رجل من سليم، وهو يسوق غنما له، فسلم عليهم، فقالوا: ما سلم علينا إلا ليتعوذ منا، فعمدوا إليه فقتلوه، وأتوا بغنمه إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم ... الحديث (٢). فكان ذلك بيانا لسبب نزولها، وإذا قيل: نزلت في معاملة الناس بمقتضى ظواهرهم، كان تفسيرا لها وبيانا لمضمونها، ولغلبة استعمال هذه العبارة في التفسير، قال الزركشي في البرهان: قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال: نزلت هذه الآية في كذا، فإنه يريد بذلك أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم، لا أن هذا كان السبب في نزولها.

وما أكثر الآيات القرآنية المتضمنة للأحكام، وجعلت هذه الأحكام أسبابا، ومن أراد معرفة ذلك فلينظر إلى تفسير الآيات: وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ [البقرة: ١٩٥].

وقوله تعالى: وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً [التوبة: ١٢٢].

[ثالثا: طريق معرفة أسباب النزول:]

يقول الواحدي في مقدمة كتابه: (كل آية لها سبب مقول مروي منقول) (٣).

وعلى هذا فلا يحل القول في أسباب النزول إلّا بالرواية والسماع. ممن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها وجدّوا في الطّلاب، وقد ورد الشرع بالوعيد للجاهل ذي العثار في هذا العلم بالنار، لما رواه ابن عباس قال: قال رسول


(١) مقدمة في أصول التفسير ص ٤٨، تحقيق د. عدنان زرزور، والإتقان ١/ ٨٩.
(٢) ذكره السيوطي في اللباب وقال رواه البخاري ح (٤٥٩١) والترمذي ح (٣٠٣٠) والحاكم وغيرهم.
(٣) أسباب النزول ص ١٧.

<<  <   >  >>